للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٍ: أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ زِيَادَةُ غَرَرٍ فِي الْقِرَاضِ نفسه. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَشَبَّهَهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الْبَيْعِ عَلَى رواية أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمُتَقَدِّمِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُقَارِضِ يَشْتَرِطُ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ خُصُوصَ التَّصَرُّفِ، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ تَعْيِينَ جِنْسٍ مَا مِنَ السِّلَعِ، أَوْ تَعْيِينَ جِنْسٍ مَا مِنَ الْبَيْعِ، أَوْ تَعْيِينَ مَوْضِعٍ مَا للتِّجَارَةِ، أَوْ تَعْيِينَ صِنْفٍ مَا مِنَ النَّاسِ يَتَّجِرُ مَعَهُمْ:

فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي اشْتِرَاطِ جِنْسٍ مِنَ السِّلَعِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجِنْسُ مِنَ السِّلَعِ لَا يَخْتَلِفُ وَقْتًا مَا مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ مَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي غَيْرِ مَا اشْتُرِطَ عَلَيْهِ ضَمِنَ.

فَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: رَأَيَا أَنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ مِنْ بَابِ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُقَارِضِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ بِذَلِكَ; وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَخَفَّ الْغَرَرَ الْمَوْجُودَ فِي ذَلِكَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ جِنْسًا مَا مِنَ السِّلَعِ لَكَانَ عَلَى شَرْطِهِ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ.

وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ الْمُؤَجَّلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ يَتَفَاسَخَا.

فَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ رَأَى أَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى الْعَامِلِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَزِيدُ غَرَرٍ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا بَارَتْ عِنْدَهُ سِلَعٌ فَيَضْطَرُّ عِنْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ إِلَى بَيْعِهَا، فَيَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ. وَمَنْ أَجَازَ الْأَجَلَ شَبَّهَ الْقِرَاضَ بِالْإِجَارَةِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ رَبِّ الْمَالِ زَكَاةَ الرِّبْحِ عَلَى الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ: لَا يَجُوزُ، وَرَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ: أَنَّهُ تَعُودُ حِصَّةُ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ مَجْهُولَةً; لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ الْمَالُ فِي حِينِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَتَشْبِيهًا بِاشْتِرَاطِ زَكَاةِ أَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ (أَعْنِي: عَلَى الْعَامِلِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ.

وَحُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى جُزْءٍ مَعْلُومِ النِّسْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ مَعْلُومَةُ النِّسْبَةِ مِنَ الْمَالِ الْمُزَكَّى، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي الرِّبْحِ الثُّلُثَ إِلَّا رُبُعَ الْعُشْرِ، أَوِ النِّصْفَ إِلَّا رُبُعَ الْعُشْرِ، أَوِ الرُّبُعَ إِلَّا رُبُعَ الْعُشْرِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ مِثْلَ اشْتِرَاطِهِ زَكَاةَ رَأْسِ الْمَالِ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومُ الْقَدْرِ غَيْرُ مَعْلُومِ النِّسْبَةِ، فَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يُحِيطَ بِالرِّبْحِ، فَيَبْقَى عَمَلُ الْمُقَارِضِ بَاطِلًا.

وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الْمُقَارِضُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؟ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَامِلِ، وَرَبِّ الْمَالِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ. وَقِيلَ عَكْسُ هَذَا.

وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْغُلَامِ نَصِيبٌ مِنَ الْمَالِ، فَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

فَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ شَبَّهَهُ بِالرَّجُلِ يُقَارِضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>