للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الرُّهُونِ] [الْقَوْلُ فِي أَرْكَان الرهن]

ِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] .

وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ: فِي الْأَرْكَانِ، وَفِي الشُّرُوطِ، وَفِي الْأَحْكَامِ.

وَالْأَرْكَانُ هِيَ النَّظَرُ فِي الرَّاهِنِ، وَالْمَرْهُونِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالشَّيْءِ الَّذِي فِيهِ الرَّهْنُ، وَصِفَةِ عَقْدِ الرَّهْنِ.

; الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: فَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ صِفَتِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ السَّدَادِ، وَالْوَصِيُّ يَرْهَنُ لِمَنْ يَلِي النَّظَرَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادًا، وَدَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ عِنْدَ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْهَنُ لِمَصْلَحَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَيَرْهَنُ الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ عِنْدَ مَالِكٍ. قَالَ سَحْنُونٌ: فَإِنِ ارْتَهَنَ فِي مَالٍ أَسْلَفَهُ لَمْ يَجُزْ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَاتَّفَقَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ.

وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ هَلْ يَجُوزُ رَهْنُهُ؟ (أَعْنِي: هَلْ يَلْزَمُ أَمْ لَا يَلْزَمُ؟) : فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ (أَعْنِي: قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ) ، وَالْخِلَافُ آيِلٌ إِلَى هَلِ الْمُفْلِسُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَكُلُّ مَنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ رَاهِنًا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مُرْتَهِنًا.

الرُّكْنُ الثَّانِي (وَهُوَ الرَّهْنُ) : وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: يَصِحُّ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الدَّيْنَ.

الثَّانِي: أَنْ لَا يَمْتَنِعَ إِثْبَاتُ يَدِ الرَّاهِنِ على الْمُرْتَهَنَ عَلَيْهِ كَالْمُصْحَفِ. وَمَالِكٌ يُجِيزُ رَهْنَ الْمُصْحَفِ، وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْبَيْعِ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ قَابِلَةً لِلْبَيْعِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ. وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ فِي وَقْتِ الِارْتِهَانِ كَالزَّرْعِ، وَالثَّمَرِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَلَا يُبَاعُ عِنْدَهُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ إِلَّا إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ.

وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَيُبَاعُ عِنْدَهُ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ.

وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ رَهْنُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ إِذَا طُبِعَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ لَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، بَلْ قَدْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارُهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ بِغَصْبٍ، ثُمَّ أَقَرَّهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي يَدِهِ رَهْنًا: فَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ أَنْ يُنْقَلَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ إِلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ، فَيَجْعَلُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ رَهْنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>