للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣ - وَأَمَّا مَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْعِوَضِ وَيَلْزَمُهُ وَهُوَ إِذَا كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا: فَقِيلَ: يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ فِي الْوَاجِبِ لَهُ بِالْعِوَضِ، وَيَدْفَعُهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَحَقُّ بِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْعِوَضِ.

٤ - وَأَمَّا مَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْعِوَضِ، وَلَا يَلْزَمُهُ: فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُحَاصَّةِ، وَالْإِمْسَاكِ، وَذَلِكَ هُوَ إِذَا كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا.

٥ - وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ تَعْجِيلُ الْعِوَضِ مِثْلُ أَنْ يُفْلِسَ الْمُسْلِمُ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ رَأْسَ الْمَالِ، وَقَبْلَ أَنْ يَحِلَّ أَجْلُ السَّلَمِ: فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ، وَيُحَاصِصَ الْغُرَمَاءَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ إِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْغُرَمَاءُ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِرَأْسِ الْمَالِ الْوَاجِبِ لَهُ فِيمَا وُجِدَ لِلْغَرِيمِ مِنْ مَالٍ، وَفِي الْعُرُوضِ الَّتِي عَلَيْهِ إِذَا حَلَّتْ; لِأَنَّهَا مِنْ مَالِ الْفلسِ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَبِيعُوهَا بِالنَّقْدِ، وَيَتَحَاصُّوا فِيهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ.

وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ: فَإِنَّ مَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ وَاجِبٍ بِالشَّرْعِ، بَلْ بِالِالْتِزَامِ كَالْهِبَاتِ، وَالصَّدَقَاتِ فَلَا مُحَاصَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَاجِبًا بِالشَّرْعِ كَنَفَقَةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُحَاصَّةَ لَا تَجِبُ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَجِبُ بِهَا إِذَا لَزِمَتْ بِحُكْمٍ مِنَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.

وَأَمَّا النَّظَرُ الْخَامِسُ (وَهُوَ مَعْرِفَةُ وَجْهِ التَّحَاصِّ) : فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُصْرَفَ مَالُ الْغَرِيمِ مِنْ جِنْسِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ، وَسَوَاءٌ أكَانَ مَالُ الْغُرَمَاءِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ; إِذْ كَانَ لَا يَقْتَضِي فِي الدُّيُونِ إِلَّا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ.

وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي فَرْعٍ طَارِئٍ، وَهُوَ إِذَا هَلَكَ مَالُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْغُرَمَاءِ: مِمَّنْ مُصِيبَتُهُ؟ فَقَالَ أَشْهَبُ: مُصِيبَتُهُ مِنَ الْمُفْلِسِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مُصِيبَتُهُ مِنَ الْغُرَمَاءِ إِذَا وَقَفَهُ السُّلْطَانُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا يُحْتَاجُ إِلَى بَيْعِهِ فَضَمَانُهُ مِنَ الْغَرِيمِ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاعُ عَلَى مِلْكِهِ، وَمَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى بَيْعِهِ فَضَمَانُهُ مِنَ الْغُرَمَاءِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَيْنًا وَالدَّيْنُ عَيْنًا. وكُلُّهُمْ رَوَى قَوْلَهُ عَنْ مَالِكٍ. وَفَرَّقَ أَصْبَغُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ فَقَالَ: الْمُصِيبَةُ فِي الْمَوْتِ مِنَ الْغُرَمَاءِ، وَفِي الْفَلَسِ مِنَ الْمُفْلِسِ.

فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي أُصُولِ أَحْكَامِ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا لَا يَفِي بِدُيُونِهِ.

وَأَمَّا الْمُفْلِسُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا: فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَدَمَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إِسْقَاطِ الدَّيْنِ إِلَى وَقْتِ مَيْسَرَتِهِ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُؤَاخرُوهُ، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>