للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا إِذَا قَبَضَهَا مُغْتَالًا لَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْوَجْهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ، فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ ثَوْبًا فَيَأْخُذَهُ، وَهُوَ يَظُنُّهُ لِقَوْمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ، فَهَذَا إِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ وَلَا ادَّعَوْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَتَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا، وَهُوَ الْعَبْدُ يَسْتَهْلِكُ اللُّقَطَةَ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهَا فِي رَقَبَتِهِ إِمَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ سَيِّدُهُ فِيهَا، وَإِمَّا أَنْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهَا، هَذَا إِذَا كَانَ اسْتِهْلَاكُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنِ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ فَهُوَ الضَّامِنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا السَّيِّدُ كَانَتْ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ مُتَطَوِّعٌ بِحِفْظِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ اللُّقَطَةِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَنْ إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ أَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ بِحَسَبِ غَرَضِنَا فِي هَذَا الْبَابِ.

[بَابٌ فِي اللَّقِيطِ]

بَابٌ

فِي اللَّقِيطِ.

وَالنَّظَرُ فِي أَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ وَفِي الْمُلْتَقِطِ وَاللَّقِيطِ وَفِي أَحْكَامِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ شَيْءٍ ضَائِعٍ لَا كَافِلَ لَهُ فَالْتِقَاطُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَفِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ خِيفَةَ الِاسْتِرْقَاقِ خِلَافٌ، وَالْخِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى اللُّقَطَةِ.

وَاللَّقِيطُ: هُوَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ غَيْرُ الْبَالِغِ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَفِيهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَرَدُّدٌ.

وَالْمُلْتَقِطُ: هُوَ كُلُّ حُرٍّ عَدْلٍ رَشِيدٍ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ وَالْمَكَاتِبُ بِمُلْتَقِطٍ، وَالْكَافِرُ دُونَ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَيَلْتَقِطُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَيُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْفَاسِقِ وَالْمُبَذِّرِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُلْتَقِطِ الْغِنَى، وَلَا تَلْزَمُ نَفَقَةُ الْمُلْتَقَطِ عَلَى مَنِ الْتَقَطَهُ، وَإِنْ أَنْفَقَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.

وَأَمَّا أَحْكَامُهُ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ إِنِ الْتَقَطَهُ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُحْكَمُ لِلطِّفْلِ بِالْإِسْلَامِ بِحُكْمِ أَبِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِحُكْمِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اللَّقِيطِ فَقِيلَ إِنَّهُ عَبْدٌ لِمَنِ الْتَقَطَهُ، وَقِيلَ إِنَّهُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِمَنِ الْتَقَطَهُ، وَقِيلَ إِنَّهُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَالَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْأُصُولُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ تُخَصَّصُ بِهِ الْأُصُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَرِثُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةً: لَقِيطَهَا وَعَتِيقَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَت عَلَيْهِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>