للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: لَا يُبَرَّأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ مَعَ دَعْوَى التَّلَفِ.

وَمَنْ رَأَى الْمَأْمُورَ بِمَنْزِلَةِ الْآمِرِ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ لِلْمَأْمُورِ، كَمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْآمِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ، قَالَ: الدَّافِعُ ضَامِنٌ إِلَّا أَنْ يُحْضِرَ الْقَابِضُ الْمَالَ.

وَإِذَا أَوْدَعَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَقَالَ الْغَيْرُ: يُضَمَّنُ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى، وَيَخْتَلِفُونَ فِي أَشْيَاءَ هَلْ هِيَ تَعَدٍّ أَمْ لَيْسَ بِتَعَدٍّ؟

فَمِنْ مَسَائِلِهِمُ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ إِذَا أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا، أَوْ أَخْرَجَهَا لِنَفَقَتِهِ ثُمَّ رَدَّهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِحَالَةٍ مِثْلِ إِذَا رَدَّهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا لَمْ يُضَمَّنْ، وَإِنْ رَدَّ مِثْلَهَا ضُمِّنَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَالشَّافِعِيُّ: يُضَمَّنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

فَمِنْ غَلَّظَ الْأَمْرَ ضَمَّنَهُ إِيَّاهَا بِتَحْرِيكِهَا وَنِيَّةِ اسْتِنْفَاقِهَا، وَمَنْ رَخَّصَ لَمْ يُضَمِّنْهَا إِذَا أَعَادَ مِثْلَهَا.

وَمِنْهَا: اخْتِلَافُهُمْ فِي السَّفَرِ بِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِلَّا أَنْ تُعْطَى لَهُ فِي سَفَرٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوَدَعِ عِنْدَهُ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ فَعَلَ ضُمِّنَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يُضَمَّنْ ; لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ مَا أُودِعَ عِنْدَ عِيَالِهِ الَّذِينَ يَأْمَنُهُمْ، وَهُمْ تَحْتَ غَلَقِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ أَمَةٍ ومَنْ أَشْبَهَهُمْ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَعِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ، فَمَا كَانَ بَيِّنًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ حِفْظٌ اتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ بَيِّنٍ أَنَّهُ حِفْظٌ اخْتُلِفَ فِيهِ، مِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ جَعَلَ وَدِيعَةً فِي جَيْبِهِ فَذَهَبَتْ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُضَمَّنُ.

وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فِي الْمَسْجِدِ فَجَعَلَهَا عَلَى نَعْلِهِ فَذَهَبَتْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَيُخْتَلَفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ضَمَانِهَا بِالنِّسْيَانِ، مِثْلَ أَنْ يَنْسَاهَا فِي مَوْضِعٍ أَوْ يَنْسَى مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، أَوْ يَدَّعِيَهَا رَجُلَانِ، فَقِيلَ يَحْلِفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ إِنَّهُ يُضَمَّنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ فَلَهُ عِنْدُ مَالِكٍ أَنْ يُودِعَهَا عِنْدَ ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ. وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرِ الْحَاكِمِ ضُمِّنَ.

وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجِبُ فِي حَالٍ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ وَاجِبٌ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُودِعُ مَنْ يُودِعُهَا عِنْدَهُ.

وَلَا أَجْرَ لِلْمُودَعِ عِنْدَهُ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَعَلَى رَبِّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>