للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُلُثَيِ الدِّيَةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْجَبَهُ، وَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ إِنْفَاذُ الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ، وَإِلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالْقُرْعَةِ.

[مِيرَاثُ الْقَاتِلِ]

; وَاخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْقَاتِلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ أَصْلًا مَنْ قَتَلَهُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: يَرِثُ الْقَاتِلُ وَهُمُ الْأَقَلُّ.

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ، فَقَالُوا: لَا يَرِثُ فِي الْعَمْدِ شَيْئًا، وَيَرِثُ فِي الْخَطَأِ إِلَّا مِنَ الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَمْدِ قَتْلٌ بِأَمْرٍ وَاجِبٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاجِبٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَهُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ، وَبِالْجُمْلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَوْ لَا يُتَّهَمُ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ أَصْلِ الشَّرْعِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلنَّظَرِ الْمَصْلَحِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ الْمَصْلَحِيَّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرِثَ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ النَّاسُ مِنَ الْمَوَارِيثِ إِلَى الْقَتْلِ وَاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَالتَّعَبُّدُ يُوجِبُ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَصَدَ لَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] كَمَا تَقُولُ الظَّاهِرِيَّةُ.

; وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَارِثِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْلِمٍ يُسْلِمُ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ وَقَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ، كَذَلِكَ إِنْ كَانَ مُوَرِّثُهُ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ.

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الْمَوْتِ ; فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَارِثُهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ لَمْ يَرِثْهُ أَصْلًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مُوَرِّثُهُ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ الْوَارِثُ يَوْمَ مَاتَ غَيْرَ مُسْلِمٍ وَرِثَهُ ضَرُورَةً سَوَاءٌ أَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ بَعْدَهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَجَمَاعَةٌ: الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ يَوْمُ الْقَسْمِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَعُمْدَةُ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِّمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى مَا قَسَمَ الْإِسْلَامِ» .

فَمَنِ اعْتَبَرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ حَكَمَ لِلْمَقْسُومِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمَنِ اعْتَبَرَ وُجُوبَ الْقِسْمَةِ حَكَمَ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ لِلْمَقْسُومِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ «أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصِيبَهُ» .

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ فِيمَنْ أُعْتِقَ مِنَ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَسْمَةِ.

فَهَذِهِ هِيَ الْمَسَائِلُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْكِتَابِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَلَمَّا كَانَ الْمِيرَاثُ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: إِمَّا بِنَسَبٍ، أَوْ صِهْرٍ، أَوْ وَلَاءٍ، وَكَانَ قَدْ قِيلَ فِي الَّذِي يَكُونُ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ، فَيَجِبُ أَنْ نَذْكُرَ هَاهُنَا الْوَلَاءَ، وَلِمَنْ يَجِبُ فِيهِ مِمَّنْ لَا يَجِبُ، وَمَا أَحْكَامُهُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>