للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهِيَ مِثْلُ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، فَهَذِهِ يَنْوِي فِيهَا سَيِّدُ الْعَبْدِ، هَلْ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ أَمْ لَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ؟

وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: يَا بُنَيَّ، أَوْ قَالَ: يَا أَبِي، أَوْ يَا أُمِّي، فَقَالَ قَوْمٌ وَهُمُ الْجُمْهُورُ: لَا عِتْقَ يَلْزَمُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَشَذَّ زُفَرُ فَقَالَ: لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: هَذَا ابْنِي، عُتِقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً وَلِلسَّيِّدِ ثَلَاثُونَ سَنَةً.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: مَا أَنْتَ إِلَّا حُرٌّ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ حُرٌّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَنْ نَادَى عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ بِاسْمِهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ عَبْدٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ الْأَوَّلَ، فَقِيلَ يُعْتَقَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَقِيلَ يَنْوِي.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فَهُوَ حُرٌّ دُونَ الْأُمِّ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُمَا حُرَّانِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الْعِتْقِ بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ كَالطَّلَاقِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَالطَّلَاقِ (أَعْنِي: قَوْلَ الْقَائِلِ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) .

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْمِلْكِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَقَعُ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» .

وَحُجَّةُ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ تَشْبِيهُهُمْ إِيَّاهُ بِالْيَمِينِ. وَأَلْفَاظُ هَذَا الْبَابِ شَبِيهَةٌ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَشُرُوطُهُ كَشُرُوطِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ فِيهِ تَشَبِيهُهُ بِأَيْمَانِ الطَّلَاقِ.

وَأَمَّا أَحْكَامُهُ فَكَثِيرَةٌ:

مِنْهَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْأَبْنَاءَ تَابِعُونَ فِي الْعِتْقِ وَالْعُبُودِيَّةِ لِلْأُمِّ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَرَبِيًّا.

وَمِنْهَا: اخْتِلَافُهُمْ فِي الْعِتْقِ إِلَى أَجَلٍ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إِنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَلَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِدْمَةِ عَلَى الْمُعْتَقِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ ; لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ لَمْ يَمْلِكْ عِتْقَهُ، وَقَالَ: إِنْ بَاعَهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (أَعْنِي: مِنْ مَالِ الْبَائِعِ إِذَا بَاعَهُ) ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ. وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>