للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ مَالِكًا جِنْسًا ثَالِثًا مِنَ الشُّرُوطِ، وَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي إِنْ تَمَسَّكَ بِهَا الْمُشْتَرِطُ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِهَا جَازَ، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْهَمَهُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ.

فَمِنْ مَسَائِلِهِمُ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ إِذَا اشْتَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطًا مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَقَوِيَ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِ قَبْلَ مَحَلِّ أَجَلِ الْكِتَابَةِ هَلْ يُعْتَقُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ: ذَلِكَ الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيُعْتَقُ إِذَا أَدَّى جَمِيعَ الْمَالِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْمَالِ، وَيَأْتِيَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَعْتَقَ رَقِيقَ الْإِمَارَةِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمُوا الْخَلِيفَةَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ.

وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَنْ يَخْدِمَهُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ عِتْقُهُ إِلَّا بِخِدْمَةِ تِلْكَ السِّنِينَ، وَلِذَلِكَ الْقِيَاسِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ. فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْوَاقِعَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي أُصُولِ هَذَا الْكِتَابِ.

وَهَاهُنَا مَسَائِلُ تُذْكَرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهِيَ مِنْ كُتُبٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْكِتَابِ ذُكِرَتْ عَلَى أَنَّهَا فُرُوعٌ تَابِعَةٌ لِلْأُصُولِ فِيهِ، وَإِذَا ذُكِرَتْ فِي غَيْرِهِ ذُكِرَتْ عَلَى أَنَّهَا أُصُولٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.

فَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ إِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ بِنْتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ وَوَرِثَتْهُ الْبِنْتُ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهَا مَلَكَتْ جُزْءًا مِنْهُ، وَمِلْكُ يَمِينِ الْمَرْأَةِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا بِإِجْمَاعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ الَّذِي وَرِثَتْ إِنَّمَا هُوَ مَالٌ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ لَا رَقَبَةَ الْمُكَاتِبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَحَقُّ بِكِتَابِ النِّكَاحِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ إِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَبَعْضُ الْكِتَابَةِ هَلْ يَحَاصُّ سَيِّدُهُ الْغُرَمَاءَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ، وَقَالَ شُرَيْحٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَضْرِبُ السَّيِّدُ مَعَ الْغُرَمَاءِ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا إِذَا أَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَا بِيَدِهِ، هَلْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى رَقَبَتِهِ؟ فَقَالَ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى رَقَبَتِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ: يَأْخُذُونَهُ إِلَّا أَنْ يَفْتَكَّهُ السَّيِّدُ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ عَقْلِ الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ يُسَلَّمُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ سَيِّدُهُ، وَالْقَوْلُ فِي هَلْ يَحَاصُّ سَيِّدُهُ الْغُرَمَاءَ أَوْ لَا يَحَاصُّ هُوَ مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ، وَالْقَوْلُ فِي جِنَايَتِهِ هُوَ مِنْ بَابِ الْجِنَايَاتِ.

وَمِنْ مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ الَّتِي هِيَ فُرُوعٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصْلٌ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو يُوسُفَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ.

وَفُرُوعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>