للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ الَّذِي حَضَرَ مِنْهَا الْآنَ فِي الذِّكْرِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَنْ وَقَعَتْ لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ الْخِلَافُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَسْمُوعِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُثْبَتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذْ كَانَ الْقَصْدُ إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَعَ الْمَسَائِلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا فِي الشَّرْعِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَصْدَنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ كَمَا قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّمَا هُوَ أَنْ نُثْبِتَ الْمَسَائِلَ الْمَنْطُوقَ بِهَا فِي الشَّرْعِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفَ فِيهَا، وَنَذْكُرُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا الَّتِي شُهِرَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ; فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْمَسَائِلِ هِيَ الَّتِي تَجْرِي لِلْمُجْتَهِدِ مَجْرَى الْأُصُولِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهَا وَفِي النَّوَازِلِ الَّتِي لَمْ يَشْتَهِرِ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ سَوَاءٌ نُقِلَ فِيهَا مَذْهَبٌ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُنْقَلْ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ تَدَرَّبَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفَهِمَ أَصُولَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَوْجَبَتْ خِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِيهَا أَنْ يَقُولَ مَا يَجِبُ فِي نَازِلَةٍ مِنَ النَّوَازِلِ (أَعْنِي: أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ فَقِيهٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، أَعْنِي: فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ بِعَيْنِهَا) ، وَيُعْلَمُ حَيْثُ خَالَفَ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَصْلَهُ وَحَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ، وَذَلِكَ إِذَا نَقَلَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَتْوَى.

فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَتْوَى أَوْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ النَّاظِرَ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجَوَابِ بِحَسَبِ أُصُولِ الْفَقِيهِ الَّذِي يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبِحَسَبِ الْحَقِّ الَّذِي يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.

وَنَحْنُ نَرُومُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ نَضَعَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ كِتَابًا جَامِعًا لِأُصُولِ مَذْهَبِهِ وَمَسَائِلِهِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَجْرِي فِي مَذْهَبِهِ مَجْرَى الْأُصُولِ لِلتَّفْرِيعِ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَمِلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ جَاوَبَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى قِيَاسِ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ مَسَائِلِ مَالِكٍ الَّتِي هِيَ فِيهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْأُصُولِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الِاتِّبَاعِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْفَتْوَى، بَيْدَ أَنَّ فِي قُوَّةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا قُلْنَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ إِذَا تَقَدَّمَ، فَعَلِمَ مِنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَعَلِمَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مَا يَكْفِيهِ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ رَأَيْنَا أَنَّ أَخَصَّ الْأَسْمَاءِ بِهَذَا الْكِتَابِ أَنْ نُسَمِّيَهُ كِتَابَ:

[بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَكِفَايَةِ الْمُقْتَصِدِ] .

<<  <  ج: ص:  >  >>