للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ خَصَّصَ الْمَرْأَةَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ فَإِنَّمَا خَصَّصَهُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَرَّضُ بِالْغُرْبَةِ لِأَكْثَرَ مِنَ الزِّنَى، وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ، أَعْنِي الْمَصْلَحِيَّ الَّذِي كَثِيرًا مَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ) .

وَأَمَّا عُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِهِمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَنْسَخُ الْكِتَابَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَرَوَوْا عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ حَدَّ وَلَمْ يُغَرِّبْ. وَرَوَى الْكُوفِيُّونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمْ غَرَّبُوا.

وَأَمَّا حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الْفَاحِشَةِ فَإِنَّ الْعَبِيدَ صِنْفَانِ: ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ. أَمَّا الْإِنَاثُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ، وَزَنَتْ - أَنَّ حَدَّهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] . وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: حَدُّهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا تَعْزِيرٌ فَقَطْ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا حَدَّ عَلَى الْأَمَةِ أَصْلًا.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي اسْمِ الْإِحْصَانِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: ٢٥] فَمَنْ فَهِمَ مِنَ الْإِحْصَانِ التَّزَوُّجَ، وَقَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ - قَالَ: لَا تُجْلَدُ الْغَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ، وَمَنْ فَهِمَ مِنَ الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامَ جَعَلَهُ عَامًّا فِي الْمُتَزَوِّجَةِ وَغَيْرِهَا.

وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ حَدًّا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، فَقَالَ: " إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنَّ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» .

وَأَمَّا الذَّكَرُ مِنَ الْعَبِيدِ فَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الْأَمَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: بَلْ حَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ مَصِيرًا إِلَى عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] ، وَلَمْ يُخَصِّصْ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ دَرَأَ الْحَدَّ قِيَاسًا عَلَى الْأَمَةِ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي أَصْنَافِ الْحُدُودِ، وَأَصْنَافِ الْمَحْدُودِينَ، وَالشَّرَائِطِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ فِي وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الْحُدُودِ، وَفِي وَقْتِهَا. فَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَمِنْ مَشْهُورِ الْمَسَائِلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْجِنْسِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُحْفَرُ لَهُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ فِي شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ حِينَ أَمَرَ بِرَجْمِهَا. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَفِيهِ " فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ أَخْرَجَهَا، فَحَفَرَ لَهَا حَفِيرَةً، فَأُدْخِلَتْ فِيهَا، وَأَحْدَقَ النَّاسُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>