للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَمَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُنَّ)؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ (فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ)؛ لِأَنَّ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

أَحْرَمَ فَبَاعَهُ. وَأَمَّا الْهِبَةُ فَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ مَالِكًا بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ تَبَايَعَا صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ صُيُودًا كَثِيرَةً عَلَى قَصْدِ التَّحَلُّلِ وَالرَّفْضِ لِلْإِحْرَامِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِتَنَاوُلِهِ انْقِطَاعَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّحَلُّلِ وَرَفْضِ الْإِحْرَامِ فَعَلَيْهِ لِكُلٍّ جَزَاءٌ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ) وَهُوَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ) أَيْ كَوْنُهَا مُسْتَحِقَّةً الْأَمْنَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ (صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ) فَالتَّأْنِيثُ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ مِثْلَ قَوْلِك زَيْدٌ هِيَ هَدِيَّةٌ إلَيْك، وَلَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ اكْتِسَابِ الْكَوْنِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِمَّا لَا يَصِحُّ حَذْفُهُ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ؛ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الظَّبْيَةِ، وَلَا يَصِحُّ الظَّبْيَةُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ، بِخِلَافِ نَحْوِ شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَمْنِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَ حُدُوثِهِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَصِيرُ خِطَابُ رَدِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرًّا، وَإِذَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الرَّدِّ كَانَ الْإِمْسَاكُ تَعَرُّضًا لَهُ مَمْنُوعًا.

فَإِذَا اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِ ثَبَتَ الضَّمَانُ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ الْغَصْبُ وَهُوَ إزَالَةُ الْيَدِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْوَلَدِ، حَتَّى لَوْ مُنِعَ الْوَلَدُ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ أَيْضًا. قَالُوا: وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ ضَمَانَ الْأُمِّ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حِينَئِذٍ لَا يَسْرِي إلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الصِّفَةِ عَنْ الْأُمِّ قَبْلَ وُجُودِهِ، حَتَّى لَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْأَوْلَادُ حِلٌّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ فِي هَذَا الصَّيْدِ كَالسِّمَنِ وَالشَّعْرِ فَضَمَانُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ التَّكْفِيرَ: أَعْنِي أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ أَمْنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا، بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَائِمَةٌ.

وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ عِنْدَ مَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا مُتْنَ، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَجَّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ وَلَا يَزَالُ مُتَوَجَّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِذَا عَجَزَ تَوَجَّهَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ الْأَخْذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>