للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَمَا انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا طَرِيقَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ، وَهَاهُنَا عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ فَتَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا.

(وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يُكْرَهُ فِيهَا فِعْلُهَا،

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي سَنَدِهِ رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ عِيسَى النَّهْشَلِيُّ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ خُصُوصِ هَذَا الْمَتْنِ الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ لُزُومِ الدَّمِ، فَإِنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَوَاتِ، وَكَانَ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا لَهُ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِلَّا نَافَى الْحِكْمَةَ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَذْكُورِ لُزُومُ الدَّمِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ لَذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُلَبِّي فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الطَّوَافِ، فَإِذَا شَرَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ تَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا وَلَزِمَهُ حُكْمُ الرَّفْضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ شَيْئًا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ صَحِيحًا اللَّازِمُ لِيَخْرُجَ بِهِ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا مُقَابِلَ مَا فَسَدَ.

(قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: عَلَيْهِ الدَّمُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَنَا فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ آنِفًا، وَهُوَ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى؛ لِلنَّهْشَلِيِّ، وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ؛ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ؛ لِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ فَاتَهُمْ الْحَجُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ مَا عَنْ أَبِيهِ ﵄، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ حِينَ بَيَانِهِ لِحُكْمِ الْفَوَاتِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>