للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الْأَوَّلَ وَاعْتَرَفَ بِالثَّانِي يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا) لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (وَحُدَّ الزَّوْجُ) لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِي يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَاعَنَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إنَّهَا عَفِيفَةٌ ثُمَّ قَالَ هِيَ زَانِيَةٌ، وَفِي ذَلِكَ التَّلَاعُنُ كَذَا هَذَا.

الْمُدَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْأَصْلَيْنِ بَعْدَ قُدُومِهِ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَعِنْدَهُ قَدْرَ مُدَّةِ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيه إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيه أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَهُوَ قَبِيحٌ، فَلَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَلَهُ نَفْيُهُ إلَى تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.

وَذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ لِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ وَيُلَاعِنُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ نَفَاهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ بَلَغَهُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا وَيُقْطَعُ نَسَبُهُ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا تَوْءَمَانِ) هُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَحُدَّ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي) وَعَلَى هَذَا فِي أَوْلَادٍ ثَلَاثَةٍ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَنَفَى الثَّانِي (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ) وَهُوَ مَا يَتَضَمَّنُهُ الِاعْتِرَافُ بِالْأَوَّلِ (سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ) بِنَفْيِ الثَّانِي حَقِيقَةً (فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هِيَ عَفِيفَةٌ) ثُمَّ قَذَفَهَا. لَا يُقَالُ: ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ مُعْتَبَرٌ بَاقٍ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي، فَبِاعْتِبَارِ بَقَائِهِ شَرْعًا يَكُونُ مُكَذِّبًا نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ.

لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَقِيقَةُ انْقِطَاعُهُ وَثُبُوتُهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، وَالْحَدُّ لَا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ هُنَا مُتَعَيِّنًا لَا الْحُكْمِيِّ. هَذَا وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ إلَخْ هُوَ هَذَا الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ مُقَدَّرًا وَهُوَ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ اللَّفْظِ.

[فُرُوعٌ]

لَوْ نَفَاهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ الْمَيِّتِ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَلَا يَنْتَفِي الْحَيُّ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ، وَيُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ، وَاللِّعَانُ يَنْفَكُّ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ، وَيَثْبُتُ النَّفْيُ تَبَعًا لَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَلَا يُلَاعِنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبُ عَلَى خِلَافِ مَا وَجَبَ

وَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ لَزِمَ الْوَلَدَانِ لِأَنَّ الْقَاطِعَ وَهُوَ اللِّعَانُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الثَّانِي، وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ الْآنَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ وَاللِّعَانُ مَاضٍ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ انْتِفَائِهِ. وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا وَلَدَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لِلتَّصْرِيحِ بِالرُّجُوعِ. وَلَوْ قَالَا لَيْسَا ابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْقَاضِي نَفَى أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ نَفْيٌ لِلتَّوْأَمَيْنِ فَلَيْسَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا بَلْ مِنْ وَجْهٍ.

وَفِي النَّوَادِرِ: ذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَنَفَى الثَّانِي يُلَاعِنُ وَهُمْ بَنُوهُ، وَلَوْ نَفَى الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّ وَهُمْ بَنُوهُ. وَكَذَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ إذَا أَقَرَّ بِهِ وَنَفَاهُ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>