للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ نَوْعَ قَضَاءٍ وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، لَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكُونُ آثِمًا مُعَاقَبًا بِحَبْسِهَا عَنْ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ. وَفِي الْحَدِيثِ «امْرَأَةٌ دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، لَا هِيَ أَطْلَقَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. وَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا» وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ «أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ»: يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «لَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ ﷺ «كَانَ يَنْهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ». وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا يَعْنِي كَالْأَمْلَاكِ مِنْ الدُّورِ وَالزُّرُوعِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ﵏، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا بِدَعَ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ، ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ. وَفِي الْمُحِيطِ: يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ.

[فُرُوعٌ]

وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَالِكًا كَانَ أَوْ لَا. مِثَالُهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ. وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانِ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ. وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ، فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى: أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ، فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ بِنَائِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا غَرِمَ فِيهِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِتَمْرِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ، وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهَا وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِشَجَرِهِ لِآخَرَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُبَاعُ لِعَلَفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا أَقُولُ فِيمَا عَنْ مُحَمَّدٍ: ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا، وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ، وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمَلِكِ كَالْمَرْهُونِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ، وَيَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>