للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

نَجَاسَةَ الْمَحَلِّ بِمُجَاوَرَةِ الْعَيْنِ وَقَدْ زَالَتْ، وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّهُ مَأْمُورٌ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ وَلِذَا كَانَ مَنْدُوبًا، وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَكَانَ حُكْمُهُ الْوُجُوبَ.

(قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، وَتُعْتَبَرُ قُوَّةُ كُلِّ عَاصِرٍ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ أَوْ دُونَهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، ثُمَّ هَذَا مُقْتَصِرٌ عَلَى مَا يُعْصَرُ وَمَخْصُوصٌ مِنْهُ أَيْضًا: أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَامِ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْهِ يَطْهُرُ بِلَا عَصْرٍ، حَتَّى ذُكِرَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ: لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ دَمًا أَوْ بَوْلًا وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ كَفَاهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَامِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ وَتُتْرَكُ الرِّوَايَاتُ الظَّاهِرَةُ فِيهِ، وَقَالُوا فِي الْبِسَاطِ النَّجِسِ إذَا جُعِلَ فِي نَهْرٍ لَيْلَةَ طُهْرٍ.

وَفِي خُفِّ بِطَانَتِهِ كِرْبَاسٌ دَخَلَ فِي خُرُوقِهِ مَاءٌ نَجِسٌ فَغَسَلَ الْخُفَّ وَدَلَّكَهُ بِالْيَدِ ثُمَّ مَلَأَهُ مَاءً ثَلَاثًا وَأَرَاقَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ عَصْرُ الْكِرْبَاسِ طَهُرَ كَالْبِسَاطِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو كَوْنُ الْمُتَنَجِّسِ مِمَّا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ أَوْ لَا، فَفِي الثَّانِي يُغْسَلُ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُوَ بِذَهَابِ النَّدْوَةِ.

قَالُوا فِي الْجِلْدِ وَالْخُفِّ وَالْمُكَعَّبِ وَالْجُرْمُوقِ إذَا أُمِرَّ الْمَاءُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَجُفِّفَ كُلَّ مَرَّةٍ طَهُرَ، وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْفِيفٍ، وَقِيلَ الْأَحْوَطُ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْآجُرِّ الْمُسْتَعْمَلِ الْقَدِيمِ: يَكْفِيهِ الْغَسْلُ ثَلَاثًا بِدُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا الْخِرْقَةُ الْقَدِيمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِمَا إذَا تَنَجَّسَتْ وَهِيَ رَطْبَةٌ، أَمَّا لَوْ تُرِكَتْ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى جَفَّتْ فَإِنَّهَا كَالْجَدِيدَةِ لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ اجْتِذَابُهَا حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ ظَاهِرِهَا، وَكَذَا حَصِيرٌ تَنَجَّسَ بِرَطْبَةٍ يُجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءُ إلَى أَنْ يُتَوَهَّمَ زَوَالُهَا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ سِوَاهُ، وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ، فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلْكِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْحَصِيرِ لِلصَّقِيلَةِ كَأَكْثَرِ حُصْرِ مِصْرَ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَاقِعَاتِ فِي الْبُورِيَّا مِنْ الْقَصَبِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا الْجَدِيدَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِمَّا يَتَشَرَّبُ فَسَيَأْتِي، وَفِي الْأَوَّلِ فَلَا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبَدًا وَتَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالْخَزَفَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالْخَشَبَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْبُرْدِيِّ وَالْجِلْدِ دُبِغَ بِنَجِسٍ وَالْحِنْطَةِ انْتَفَخَتْ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، وَالسِّكِّينُ الْمُمَوَّهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ يُمَوَّهُ ثَلَاثًا بِطَاهِرٍ، وَاللَّحْمُ وَقَعَ فِي مَرَقِهِ نَجَاسَةٌ حَالَ الْغَلَيَانِ يُغْلَى ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَلَيَانِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَرَقَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النَّجَاسَةُ خَمْرًا فَإِنَّهُ إذَا صُبَّ فِيهَا خَلٌّ حَتَّى صَارَتْ كَالْخَلِّ حَامِضَةً طَهُرَتْ، وَفِي التَّجْنِيسِ طُبِخَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُطْبَخُ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ وَتُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ وَكَذَا اللَّحْمُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طُبِخَتْ فِي الْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا، وَبِهِ يُفْتِي انْتَهَى.

وَالْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا. وَلَوْ أُلْقِيَتْ دَجَاجَةٌ حَالَةَ الْغَلَيَانِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا لِتُنْتَفَ أَوْ كِرْشٌ قَبْلَ الْغَسْلِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا، لَكِنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ تَطْهُرَ عَلَى قَانُونِ مَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ.

قُلْت: وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ هُوَ مُعَلَّلٌ بِتَشَرُّبِهِمَا النَّجَاسَةَ الْمُتَحَلِّلَةَ فِي اللَّحْمِ بِوَاسِطَةِ الْغَلَيَانِ، وَعَلَى هَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّ اللَّحْمَ السَّمِيطَ بِمِصْرَ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ لَكِنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَيَمْكُثَ فِيهِ اللَّحْمُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ لِلتَّشَرُّبِ وَالدُّخُولِ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي السَّمِيطِ الْوَاقِعِ حَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَلَا يُتْرَكُ فِيهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا تَصِلُ الْحَرَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>