للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبْعُ الْعُشْرِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا إذْ كُلُّ مِثْقَالٍ عِشْرُونَ قِيرَاطًا (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكُسُورِ، وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ فِي هَذَا كَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.

قَالَ (وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحُلِيِّهِمَا وَأَوَانِيهِمَا الزَّكَاةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ.

(قَوْلُهُ وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ إلَخْ) قِيلَ هُوَ دَوْرٌ لِأَنَّهُ أَخَذَ كُلًّا مِنْ الْمِثْقَالِ وَالدِّرْهَمِ فِي تَعْرِيفٍ آخَرَ فَتَوَقَّفَ تَصَوُّرُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى تَصَوُّرِ الْآخَرِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا تَعْرِيفًا لِأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمِثْقَالَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي تَدَاوَلَهُ النَّاسُ وَعَرَفُوهُ مِثْقَالًا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَعْرِيفِهِ كَمَا لَا يُعَرَّفُ مَا هُوَ بَدِيهِيُّ التَّصَوُّرِ إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ، فَكَانَ قَوْلُهُ وَالْمِثْقَالُ مَا يَكُونُ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا وَزْنَ عَشَرَةٍ إنَّمَا هُوَ لِإِزَالَةِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالْمِثْقَالِ غَيْرَ الْمَذْكُورِ فِي تَعْرِيفِ الدِّرْهَمِ، فَحَاصِلُ كَلَامِهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمِثْقَالِ ذَاكَ الَّذِي تَقَدَّمَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ لَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَحْسَنُ مِمَّا حَاوَلَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّفْعِ مِمَّا لَوْ أَوْرَدْته أَدَّى إلَى طُولٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّرْعِ) أَيْ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةٍ كَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِذَا مَلَكَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَقَدْ مَلَكَ مَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ فِيهِ عَلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ فَيَجِبُ فِيهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ قِيرَاطَانِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الدِّينَارِ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، فَلَا يَرُدُّ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ وَحُلِيِّهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ لَا حَتَّى يَجِبَ أَنْ يُضَمَّ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفُ وَكُلُّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ (قَوْلُهُ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ) حَاصِلُهُ قِيَاسُ الْحُلِيِّ بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ بِجَامِعِ الِابْتِذَالِ فِي مُبَاحٍ وَدَفَعَهُ اعْتِبَارُ مَا عَيَّنَهُ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ فِي الْفَرْعِ، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَانِعِيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُودَ السَّبَبِ بِمَنْعِ جُزْئِهِ: أَعْنِي النَّمَاءَ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِأَمْرٍ آخَرَ، وَمَنْعُهُ ذَلِكَ فِي النَّقْدَيْنِ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِيُتَوَصَّلَ بِهِمَا إلَى الْإِبْدَالِ، وَهَذَا مَعْنَى الِاسْتِنْمَاءِ فَقَدْ خُلِقَا لِلِاسْتِنْمَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا الِابْتِذَالُ عَنْ ذَلِكَ، فَالنَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِ الْوُجُوبِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِذَا انْتَفَتْ مَانِعِيَّتَهُ عَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ الْمَنْقُولَاتُ مِنْ الْعُمُومَاتِ وَالْخُصُوصَاتِ تُصَرِّحُ بِهِ.

فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَنْهُ ﵊ «هَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ. وَمِنْ الْخُصُوصَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>