للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: إِذَا دَخَلُوا الْحَمَّامَ عَلَّقُوا فِي رِقَابِهِمُ الْأَجْرَاسَ لِيُعْرَفَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: فَأَمَّا الْأَصْفَرُ مِنَ اللَّوْنِ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ لِبَاسِهِ إِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهُ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ عُثْمَانُ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ زِيَّ الْأَنْصَارِ، وَبِهِ كَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَجَالِسَ وَالْمَحَافِلَ، وَهُوَ زِيُّهُمْ إِلَى الْيَوْمِ إِذَا دَخَلُوا عَلَى الْخُلَفَاءِ فَلَا يَتَشَبَّهُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ وَصَحَابَتِهِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِهِ وَلَا يُمَكَّنُونَ.

قُلْتُ: هَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَتَفْصِيلٍ، وَهُوَ أَنَّ لِبَاسَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِي يَتَمَيَّزُونَ بِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ نَوْعَانِ:

[الْأَوَّلُ:] نَوْعٌ مُنِعُوا مِنْهُ لِشَرَفِهِ وَعُلُوِّهِ، فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ.

[وَالثَّانِي:] نَوْعٌ مُنِعُوا مِنْهُ لِيَتَمَيَّزُوا بِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا هَجَرَهُ الْمُسْلِمُونَ وَصَارَ مِنْ شِعَارِ الْكُفَّارِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ، فَمِنْ ذَلِكَ لِبَاسُ الْأَصْفَرِ وَالْأَزْرَقِ لَمَّا صَارَ مِنْ شِعَارِهِمْ فَوْقَ الرُّءُوسِ - وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَلْبَسُونَهُ - لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْغِيَارِ مَا يُمَيِّزُهُمْ بِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يُعْرَفُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالذِّلَّةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْأَمْصَارِ: أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ - يَعْنِيَ النَّصَارَى - وَلَا يَلْبَسُوا لُبْسَةَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرَفُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>