للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّوَابُ فِي الْآيَةِ أَنَّ الصَّغَارَ هُوَ الْتِزَامُهُمْ لِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ عَلَيْهِمْ، وَإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّ الْتِزَامَ ذَلِكَ هُوَ الصَّغَارُ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: كَانُوا يُجَرُّونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَيُخْتَمُونَ فِي أَعْنَاقِهِمْ إِذَا لَمْ يُؤَدُّوا الصَّغَارَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] .

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا بَذَلَ مَا عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ الصَّغَارَ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى أَنْ يُجَرَّ بِيَدِهِ وَيُضْرَبَ.

وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتْعَبُوا فِي الْجِزْيَةِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ يُرِدْ تَعْذِيبَهُمْ وَلَا تَكْلِيفَهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِخْفَافَ بِهِمْ وَإِذْلَالَهُمْ.

قُلْتُ: لَمَّا كَانَتْ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَيَدُ الْآخِذِ السُّفْلَى احْتَرَزَ الْأَئِمَّةُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْجِزْيَةِ، وَأَخَذُوهَا عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ يَدُ الْمُعْطِي السُّفْلَى وَيَدُ الْآخِذِ الْعُلْيَا.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أَعْمَالَ السُّلْطَانِ وَيَظْهَرُ مِنْهُمُ الظُّلْمُ وَالِاسْتِعْلَاءُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذُ الضَّرَائِبِ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَأَنَّ دِمَاءَهُمْ مُبَاحَةٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>