للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْبُوسَةً عَلَى صَبِيٍّ لَا تَدْرِي أَيَخْتَارُهَا أَمْ يُفَارِقُهَا، وَفِي ذَلِكَ إِضْرَارٌ عَظِيمٌ بِهَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَخْتَارَ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَجْنُونًا.

فَإِنْ قُلْتُمْ: " وَالْحُكْمُ فِي الْمَجْنُونِ كَذَلِكَ "، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إِذْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ السِّنِينَ مَحْبُوسَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ فَرَّقْتُمْ بِأَنَّ الْبُلُوغَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي الصَّبِيُّ إِلَيْهِ، فَلَا يَشُقُّ انْتِظَارُهُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ.

قِيلَ أَوَّلًا: لَا بُدَّ لِهَذَا الْفَرْقِ مِنْ شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ.

وَقِيلَ ثَانِيًا: لَا رَيْبَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الِانْتِظَارُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا يُدْرَى أَيَعِيشُ الزَّوْجُ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا، أَمْ يَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَقِيلَ ثَالِثًا: وَالْجُنُونُ قَدْ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِزَوَالِهِ أَمَدٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إِذَا جُنَّ انْتُظِرَ بِهِ عَوْدُ عَقْلِهِ، ثُمَّ يَخْتَارُ.

وَالصَّوَابُ أَنَّ الْوَلِيَّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

[فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

١٢٤ - فَصْلٌ

وَالِاخْتِيَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ إِمْسَاكَ الْمُسْلِمِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، فَإِنْ أَبَى الِاخْتِيَارَ أُجْبِرَ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ، وَالضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَإِيفَاءِ الدَّيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>