للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيَاسُ النَّفَقَةِ عَلَى الْمِيرَاثِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنَاهُ عَلَى النُّصْرَةِ، وَالْمُوَالَاةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا صِلَةٌ وَمُوَاسَاةٌ مِنْ حُقُوقِ الْقَرَابَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْقَرَابَةِ حَقًّا - وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً - فَالْكُفْرُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهَا فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٦] .

وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَحَقُّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَمَا بَالُ ذِي الْقُرْبَى وَحْدَهُ يَخْرُجُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ وَصَّى اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ؟ وَرَأْسُ الْإِحْسَانِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْآيَةِ هُوَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَرُورَتِهِ، وَحَاجَتِهِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُوصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِحْسَانِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ الْإِحْسَانُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؟ وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَرَّمَ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَتَرْكُ رَحِمِهِ يَمُوتُ جُوعًا، وَعَطَشًا، وَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَقْدَرِهِمْ عَلَى دَفْعِ ضَرُورَتِهِ أَعْظَمُ قَطِيعَةً.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ تَقُولُونَ بِدَفْعِ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ إِلَيْهِ؟

قِيلَ: إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعٌ مَعْلُومٌ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِجْمَاعٌ احْتَاجَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إِلَى دَلِيلٍ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّكَاةِ، وَالنَّفَقَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ، فَرَضَهَا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ تُصْرَفُ فِي جِهَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهِيَ عِبَادَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ وَلَا تُؤَدَّى بِفِعْلِ الْغَيْرِ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى رَقِيقِهِ، وَبَهَائِمِهِ، وَالنَّفَقَةُ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>