للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا الْقَائِلُ إِنْ أَرَادَ بِهَذَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا خَالِينَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، بَلْ يَكُونُ الْقَلْبُ كَاللَّوْحِ الَّذِي يَقْبَلُ كِتَابَةَ الْإِيمَانِ، وَكِتَابَةَ الْكُفْرِ، وَلَيْسَ هُوَ لِأَحَدِهِمَا أَقْبَلَ مِنْهُ لِلْآخَرِ - وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ - فَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِنْكَارِ، وَالتَّهْوِيدِ، وَالتَّنْصِيرِ، وَالْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فَأَبَوَاهُ يَجْعَلَانِهِ مُسْلِمًا وَيُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ. فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَبَوَيْهِ يُكَفِّرَانِهِ دُونَ الْإِسْلَامِ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي حُصُولِ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مُنْفَصِلٍ غَيْرِ حُكْمِ الْكُفْرِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ سَلَامَةٌ وَلَا عَطَبٌ، وَلَا اسْتِقَامَةٌ وَلَا زَيْغٌ، إِذْ نِسْبَتُهُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْهُ بِالْآخَرِ، كَمَا أَنَّ الْوَرَقَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مَدْحٍ وَلَا حُكْمُ ذَمٍّ، وَالتُّرَابُ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا، أَوْ كَنِيسَةً لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا كَانَ قَابِلًا لِلْمَمْدُوحِ وَالْمَذْمُومِ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَدْحًا، وَلَا ذَمًّا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] فَأَمَرَهُ بِلُزُومِ فِطْرَتِهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ مَمْدُوحَةً.

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَهَا بِالْبَهِيمَةِ الْمُجْتَمِعَةِ الْخَلْقِ، وَشَبَّهَ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا مِنَ الْكُفْرِ بِجَدْعِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَمَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>