للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنَّكِرَةِ، قِيلَ: فَحِينَئِذٍ إِذَا لَمْ تَسْتَلْزِمِ الْمَعْرِفَةَ وُجِدَتْ تَارَةً وَعُدِمَتْ أُخْرَى، وَهِيَ وَحْدَهَا لَا تُحَصِّلُهَا، فَلَا تُحَصَّلُ إِلَّا بِشَخْصٍ آخَرَ كَالْأَبَوَيْنِ، فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ فِي ذَلِكَ كَالتَّهْوِيدِ وَالتَّنْصِيرِ، وَالتَّمْجِيسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ بَعْضُهَا أَبْعَدُ عَنِ الْفِطْرَةِ مِنْ بَعْضٍ، لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ تَكُنِ الْفِطْرَةُ مُقْتَضِيَةً لِشَيْءٍ مِنْهَا أُضِيفَتْ إِلَى السَّبَبِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْفِطْرَةُ مُقْتَضِيَةً لِلْإِسْلَامِ صَارَتْ نِسْبَتُهَا إِلَى ذَلِكَ كَنِسْبَةِ التَّهْوِيدِ، وَالتَّنْصِيرِ إِلَى التَّمْجِيسِ، فَوَجَبَ أَنْ يُذْكَرَ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لَمْ تَقْتَضِ الْأَجَلَ إِلَّا بِسَبَبٍ مُنْفَصِلٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ اللَّبَنَ بِالْفِطْرَةِ لَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ اللَّبَنُ وَالْخَمْرُ، وَاخْتَارَ اللَّبَنَ، «فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ» .

وَالطِّفْلُ مَفْطُورٌ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ شُرْبَ اللَّبَنِ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الثَّدْيِ لَزِمَ أَنْ يَرْتَضِعَ لَا مَحَالَةَ، فَارْتِضَاعُهُ ضَرُورِيٌّ إِذْ لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ، وَهُوَ مَوْلُودٌ عَلَى أَنْ يَرْتَضِعَ، فَكَذَلِكَ هُوَ مَوْلُودٌ عَلَى أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ، وَالْمَعْرِفَةُ ضَرُورِيَّةٌ لَا مَحَالَةَ إِذَا لَمْ يُوجَدُ مُعَارِضٌ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ حُبَّ النَّفْسِ لِلَّهِ، وَخُضُوعَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِخْلَاصَ الدِّينِ لَهُ، وَالْكُفْرَ، وَالشِّرْكَ، وَالنُّفُورَ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ نِسْبَتُهُمَا إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>