للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قابل، أيكون عليه الهدي؟ قال: نعم، في رأيي يحتاط بذلك. قلت له: فأحب ذلك إليك أن يقيم محرما على حجه أم يحل ويهدي قابلا؟ قال: بل أحب إلي أن يحل ويحج قابلا ويهدي. قلت له: ذلك أحب إليك؟ قال: نعم.

قال محمد بن رشد: لم ير عليه في المدونة هديا إذا أقام على إحرامه فحج به من قابل، وهو القياس؛ لأن الهدي إنما أوجبه الله على من تمتع بالتحلل بالعمرة إلى الحج حيث يقول: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] ، وقوله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] معناه عند مالك أن يتمتع بالعمرة إلى الحج على ما بين تعالى بعد ذلك بقوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: ١٩٦] ... الآية، فالهدي الأول هو الثاني عنده، عند غيره من أهل العلم الهدي الأول يحل له به حلق الشعر ولبس الثياب بموضعه إذا وصل الهدي إلى مكة فنحر بميعاد يضربه له، والهدي الثاني يجب عليه إذا تحلل بعمرة فحل من جميع إحرامه قبل العام المقبل، فلا وجه للاحتياط للهدي إذا لم يتحلل بعمرة وبقي على إحرامه إلى قابل فحج به إلا مخافة أن يكون لطول الإحرام لم يخلص مما يوجب عليه الفدية بالصيام أو الصدقة أو النسك، فرأى في ذلك الهدي احتياطا لأن من قلد النسك وجعله هديا لم يضره ذلك، فمن الاحتياط على هذا أن لا يأكل منه، ووجه استحسانه أن يتحلل بعمرة ولا يبقى على إحرامه الأخذ بالرخصة والتخفيف وترك التشديد على نفسه؛ لأن بقاءه على إحرامه إلى عام آخر أمر شاق شديد، فكرهه له كما كره الاعتكاف مخافة ألا يفي بالواجب عليه في ذلك لشدته، وكما نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوصال لشدته.

<<  <  ج: ص:  >  >>