للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تقع به الحرمة، إذ لا يجوز النكاح إذا رضيت إلا على قول قائل، ولا يتوارثان قبل الرضى، ولا يكون الفسخ فيه طلاقا بإجماع إلا أن يدعي الولي عليها أنه زوجها بإذنها وتنكر هي ذلك، فروى عيسى عن ابن القاسم في المدنية أن الفسخ يكون في ذلك بطلاق، وهو بعيد، وأما إذا زوجها بغير إذنها وهي قريبة وأعلمت بالقرب أيضا، فرضيت، فالمشهور في المذهب أن النكاح جائز.

واختلف في حد القرب فقال أصبغ وسحنون: اليوم واليومان، وقال عيسى بن دينار: ذلك مثل أن يعقد النكاح في المسجد والسوق، ثم يسار إليها بالخبر من ساعته، وإنما جاز هذا النكاح وإن كان للزوجة فيه الخيار لأنه خيار أوجبه الحكم لم ينعقد عليه النكاح، ولو أعلم الولي الزوج أنه لم يستأمرها في العقد عليها، لوجب أن لا يجوز النكاح لدخوله على أن لها الخيار، فهو بمنزلة أن لو زوجه إياها على إن رضيت، وقد قال في سماع أبي زيد في ذلك: إن النكاح يفسخ.

ومن الناس من ذهب إلى أن يفرق بين المسألتين، بأن الحاضرين لهما مندوحة عن الخيار بخلاف الغائب، وهو بعيد، لأنه يلزم عليه جواز نكاح الغائبة البعيدة الغيبة لعدم القدرة على إنجاز النكاح، وروي عن مالك أن النكاح لا يجوز ويفسخ؛ لأنه نكاح لو مات أحدهما فيه لم يتوارثا، يريد: ما لم يدخل - والله أعلم - على هذا القول.

وقال أصبغ: إنما يؤمران قبل الدخول بالترك والفسخ، ولا يحكم بذلك عليهما، فقد روي عن مالك أنه قال: لا أحب المقام عليه وإن رضيت، وقال مرة: إن رضيت جاز، واختلاف قوله هذا في الغيبة القريبة قائم من قول ابن القاسم في المدونة: وبلغني أن مالكا مرة كان يقول: هذا الذي حفظناه عمن أدركناه من شيوخنا، أن اختلاف قول مالك إنما هو في القريب الغيبة، وهو الذي يدل عليه ظواهر الروايات، ونحا أبو إسحاق التونسي إلى أنه لا فرق على أحد قولي مالك بين قريب الغيبة وبعيدها، وهو الأظهر في القياس، لأن الخيار الذي للمرأة المزوجة بغير إذنها إن حكمنا له بحكم الشرط وجب أن يفسخ النكاح في القرب والبعد، وإن لم يحكم له بحكم الشرط وقلنا: إنه خيار يوجبه الحكم، فلا يفسد العقد، كالعبد يتزوج بغير إذن سيده وما أشبه ذلك، وجب أن يجوز في القرب والبعد، فيأتي

<<  <  ج: ص:  >  >>