للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى في قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: ٤] ، أي: إن ارتبتم في معاودة الحيض لهن، وأنها ريبة مستقبلة، قالا: ولو كانت ريبة ماضية في الحكم، لكان حقه أن يكون " أن ارتبتم "، بفتح الألف من أن. وقالا: إن اليأس في كلام العرب، إنما هو فيما لم ينقطع فيه الرجا تقول: يئست من المريض لشدة مرضه، ومن الغائب لبعد غيبته، ولا تقول: يئست من الميت الذي قد انقطع منه الرجا، فلو كان معنى الآيسة التي أوجب الله عليها في العدة ثلاثة أشهر، هي التي لا ترتاب في معاودة الحيض، لوجب إذا ارتفع عن المرأة المحيض، وهي في سن من يشبه أن تحيض أن تعتد بالأقراء، حتى تبلغ سن من لا يشبه أن تحيض، وإن بقيت عشرين سنة، كما يقول الشافعي. وهو خطأ من وجهين: أحدهما: أنها إن جاءت بولد لما لا تحمل له النساء من المدة التي لم يلحق به الولد، وإن كانت العدة لم تنقض، ومحال أن تعتد المرأة من زوج في مدة لا يلحق فيها به الولد.

والوجه الثاني: مخالفة ما جاء عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في عدة التي ترتفع حيضتها، وهي في سن من تحيض من مطالبة ثلاث حيض أو ستة بيضاء، لا دم فيها، فإذا قلنا: إن اليائسة التي أوجب الله عليها العدة بثلاثة أشهر، هي التي ترتاب، فلم تدر لِمَ لَم تحض؟ بدليل هذا، ألا تجب عدة على من لم تعلم أنها ممن لا تحيض لصغر أو كبر، ولا ترتاب في أمرها، إلا أنه لما لم يكن حد يرجع إليه، حمل الباب في ذلك محملا واحدا.

وقد ذهب ابن لبابة إلى أن الصغيرة التي لا تحيض ويومن الحمل منها لا عدة على واحدة منهما. وقال: إنه مذهب داود، وإنه القياس؛ لأن العدة إنما هي حفظ للأنساب، فإذا أمن الحمل، فلا معنى للعدة، وهو شذوذ من القول. وفي قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] ، دليل على أن التي تطلق قبل الدخول والمسيس لها لا تجب عليها العدة، أُمن منها الحمل أو لم يؤمن، وإذا قلنا: إن

<<  <  ج: ص:  >  >>