للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بزور أيتزوجها؟ قال: فيما أعلم، نعم، قال أصبغ: يريد إن خفي له النكاح بغير زوج، وأنا لا أرى ذلك؛ لأنه يلبس بذلك على غيره من الجهال، ولعله ممن يقتدى به، وينظر إليه، ويلبس أحكام الإسلام وحدوده، ويعرض نفسه للسلطان، والسلطان لا يعرف حقيقته، وإنما يأخذ بما ظهر، فلا أراه يسعه ذلك فيما بينه وبين الله، وإن خفي لهذا، ولقد أمر أهل العلم الذي يرى الهلال وحده في الفطر ألا يفطر، وأن يصوم وهو يعلم أنه يوم الفطر. وقد نهى الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صيامه لهذا وأشباهه وهو قول أهل العلم من السلف وغيرهم، فيه مجتمع عليه بذلك، فكذلك الأول وأشد وأحرى.

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لا شيء عليه في تزويجها قبل زوج إذا علم أن الشاهدين إنما شهدا عليه بزور، من وجه تعريض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان، والإلباس على الناس، إذا كان ممن يقتدى به؛ لأن حكم الحاكم بالظاهر لا يحيل الأمر عما هو عليه في الباطن عند من علمه، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: ١٨٨] ، الآية، وهو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض» الحديث. ويأتي على مذهب أهل العراق، الذين يرون حكم الحاكم بالطلاق طلاقا في الظاهر والباطن، وأن الرجل إذا علم أن الإمام طلق على الرجل زوجته بشهادة زور، يجوز له أن يتزوجها - أنه لا يحل له أن يتزوجها قبل زوج وإن خفي له ذلك، وأمن من عقوبة السلطان. وأما قوله في الذي يرى هلال شوال وحده: إن أهل العلم أمروه ألا يفطر وأن يصوم لهذا المعنى، فهو مثل ما في الموطأ، والمدونة، وسماع أبي زيد من كتاب الصيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>