للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي استثنى، قال: ولقد سألني عن هذه المسألة رجل، وأنا سائر إلى الشرق، وذكرها عن بعض أهل العراق، فتفكرت فيها، فلم أر لها مخرجا، ولا الصواب فيها غير هذا.

قال محمد بن رشد: قول الرجل لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا، استثنى أكثر الجملة، وقد اختلف في استثناء أكثر الجملة، فقيل: إن ذلك في اللسان غير جائز، وقيل: إنه جائز، وهو الصحيح، والدليل على جوازه قول الله عز وجل: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: ٨٣] ، وقوله عز وجل: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] لأنه استثنى في الآية الأولى المخلصين من الغاوين، وفي الثانية الغاوين من المخلصين، فلا بد أن يكون أحد الاستثناء من أكثر الجملة، فعلى هذا يكون قول الرجل لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا واحدة، ويحتمل أن يكون على هذا القول أيضا ثلاثا؛ لأن استثناء أكثر الجملة وإن كان جائزا في اللسان، فليس بمستعمل عند الناس في عرف كلامهم، فلما لم يكن ذلك معروفا من عادتهم في كلامهم حمل من قائله في الطلاق على أنه لم يقصد إلى ذلك، وإنما كان ندما منه استدركه، ليخرج به عما كان ألزمه نفسه من الثلاث، وأما على القول بأن استثناء أكثر الجملة غير جائز، فلا كلام في أن قول الرجل لامرأته: أنت طالق أربعا إلا ثلاثا ثلاث، هذا وجه القول في هذه المسألة على الأصول، ولم يذهب سحنون إلى شيء من هذا المعنى، والذي نحا إليه على ما يوجبه تعليله أن ما لفظ به من عدد الطلاق فيما فوق الثلاث لما كان الحكم فيه أن يكون ثلاثا كان كأنه إنما لفظ بالثلاث، فجعل قوله أربعا إلا ثلاثا، وقوله: مائة إلا تسعة وتسعين، كقوله ثلاث إلا ثلاثا، وذلك بين من قوله فهي البتة؛ لأن الثلاث دخلت في العدة التي استثنى، فعلى قوله لو قال الرجل: امرأتي طالق مائة إلا طلقة، كانت اثنتين؛ لأن الطلقة المستثناة على مذهبه إنما تقع مستثناة من الثلاث؛ إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>