للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشافعي وأصحابهما. فقالوا: إحفاء الشوارب أفضل من قصها، وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل، فكان يحفي شاربه إحفاء شديدا. ويقول: السنة فيه أن يحفي كما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحفوا الشوارب» ، وذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن السنة فيه أن يقص ويؤخذ منه حتى يبدو طرف الشفة: الإطار، ولا يستأصل جميعه بالحلق؛ لأنه روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من لم يأخذ شاربه فليس منا» ، وأنه قال: «خمس من الفطرة؛ فذكر منها قص الشارب» ، فجعل ذلك من قوله مبينا لأمره بإحفاء الشوارب، فقال: معناه أن يقص حتى يحفي منه الإطار لا جميعه. وقوله صحيح؛ لأن استعمال الأحاديث وحمل بعضها على التفسير لبعض أولى من الأخذ ببعضها، والاطراح لسائرها، لا سيما وفي العمل المتصل من السلف بالمدينة بترك إحفاء الشوارب دليل واضح على أنهم فهموا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه إنما أراد بإحفاء الشوارب قصها، والأخذ منها، وألا تعفى كما يفعل باللحاء، وهو دليل واضح، لذلك قال: إن حلق الشارب مثلة، وحكم له بأنه بدعة، ورأى أن يؤدب من فعل ذلك لما فيه من تقصير السلف المتقدم في مخالفتهم ظاهر الحديث والجهل به، وهم ما جهلوه ولا خالفوه، لكنهم تأولوه على ما تأوله عليه مالك، والله أعلم.

ولا يصح أن يكون المتأخر أعلم بمراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من السلف المتقدم، وقد قال بعض المتأخرين: إن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء، وهو الإطار، فذلك الذي يحفى، والصحيح أن الشارب ما عليه الشعر من الشفة العليا، إلا أن المراد بإحفائها إحفاء بعضها، وهو الإطار منها لا إحفاء جميعها، بدليل الحديثين الآخرين، وقد روي عن ابن القاسم أنه كان يكره أن يؤخذ من أعلاه،

<<  <  ج: ص:  >  >>