للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في آخره، وكان حسن الصوت -يصلي، فقرأ، فقال سعيد بن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني، فسكت برد، فقال: ويحك يا برد! اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني، فقال له برد: إن المسجد ليس لنا، إنما هو للناس، فسمع ذلك عمر فأخذ نعليه ثم تنحى.

قال محمد بن رشد: الأصل في هذا ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج على الناس وهم يصلون في المسجد وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن» . فلا يجوز لمن تنفل في المسجد وإلى جنبه من يصلي أن يرفع صوته بالقراءة؛ لأنه يخلط عليه صلاته، وفي ذلك إذاية له، وكذلك من فاته من صلاة الإمام ما يجهر فيه بالقراءة فلا يجوز له أن يفرط في الجهر إذا كان إلى جنبه من يعمل مثل عمله لئلا يخلط عليه صلاته فيؤذيه بذلك. ومن حق من أوذي أن ينهى من آذاه عن إذايته؛ فلذلك أمر سعيد بن المسيب بردا بما أمره به من طرد القارئ عنه، يريد من جواره لا من المسجد جملة، ولم يهبه لمكانه من الخلافة؛ لجزالته وقوته في الحق وقلة مبالاته بالأيمة، ولا أنف عمر بن عبد العزيز من قوله؛ لتواضعه وخيره وفضله وانقياده للحق، وأخذ نعليه وتنحى عنه. وقد استدل بعض الشيوخ بهذه الحكاية على أن الأصوات من الضرر الذي يجب الحكم على الجار بقطعه على جاره، كالحدادين والكمادين والندافين وشبه ذلك، وليس بدليل بين؛ لأن ما يفعله الرجل في داره من ذلك فيتأذى به جاره، بخلاف ما يفعله في المسجد من رفع صوته بالقراءة لتساوي الناس في الحق فيه، ولو صلى رجل في داره فرفع صوته بالقراءة لما وجب لجاره أن يمنعه من ذلك، والرواية منصوصة عن مالك في أنه ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>