للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر من قتل واحد، وبهذا قال الزهري ومالك وبعض أصحاب الشافعي - قال بعد ذكر مذهب آخر سيأتي.

ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته (١) » فخص بها الواحد، ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد، فيقتصر عليه ويبقى الأصل فيما عداه، وبيان مخالفة الأصل بها أنها ثبتت باللوث، واللوث شبهة فغلبه على الظن صدق المدعي والقود يسقط بالشبهات فكيف يثبت بها؛ ولأن الأيمان في سائر الدعاوى تثبت ابتداء في جانب المدعى عليه، وهذا بخلافه، وبيان ضعفها: أنها تثبت بقول المدعي ويمينه مع التهمة في حقه والشك في صدقه وقيام العداوة المانعة من صحة الشهادة عليه في إثبات حق لغيره فلأن يمنع منه قبول قوله وحده في إثبات حقه أولى وأحرى (٢) .

أما المذهب الثاني: فقال ابن قدامة - رحمه الله -، وقال بعضهم - أي: بعض أصحاب الشافعي -: يستحق بها قتل الجماعة؛ لأنها بينة موجبة للقود فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة، وهذا نحو قول أبي ثور.

وقد ناقش ابن قدامة ذلك فقال: وفارق البينة فإنها قويت بالعدد وعدالة الشهود وانتفاء التهمة في حقهم من الجهتين وفي كونهم لا يثبتون لأنفسهم حقا ولا نفعا ولا يدفعوا عنها ضرا ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه؛ ولهذا لا يثبت بها سائر الحقوق والحدود التي تنفي الشبهات (٣) .


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩) ، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢) ، سنن النسائي القسامة (٤٧١١) ، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٠) ، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣) ، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠) ، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣) .
(٢) [المغني] (٨\ ٥٠٦) .
(٣) المرجع السابق (٨\ ٥٠٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>