للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَجُلَانِ وَبِيَدِ الْمُغِيرَةِ الرُّمْحُ وَالتِّرْسُ، وَالنَّاسُ سَمَاطَانِ عَلَى كُلِّ بِسَاطٍ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِرُمْحِهِ فِي الْبِسَاطِ يَخْرِقُهُ كَيْ يَتَطَيَّرُوا، فَقَالَ لَهُ (ذُو الْحَاجِبَيْنِ) : إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَصَابَكُمْ جَهْدٌ وَجَوْعٌ، فخرجتم فإن شئتم موناكم فَرَجَعْتُمْ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ نَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ، وَكُنَّا أَذِلَّةً وَكَانَ النَّاسُ يطئونا ولا نطؤهم، حَتَّى ابْتَعَثَ اللَّهُ مِنَّا رَسُولًا فِي شَرَفٍ مِنَّا، وَأَوْسَطَنَا حَسَبًا، وَأَصْدَقَنَا قِيلًا، وَأَنَّهُ وَعَدَنَا أَشْيَاءَ فَوَجَدْنَاهَا كَمَا قَالَ، وَأَنَّهُ وَعَدَ فِيمَا وَعَدَنَا أَنَّا سَنَغْلِبُ عَلَى مَا هَاهُنَا، وَإِنِّي لأرى هاهنا أشياء وبرة مَا أُرَاهُ مَنْ بَعْدِي تَارِكُوهَا حَتَّى لَقِيتُمُوهَا. قال: فقال لِي نَفْسِي: لَوْ جَمَعْتَ جَرَامِيزَكَ، ثُمَّ وَثَبْتَ وَثْبَةً فَجَلَسْتَ مَعَ الْعِلْجِ عَلَى سَرِيرِهِ فَيَتَطَيَّرُ أَيْضًا، فَجَمَعْتُ جَرَامِيزِي فَوَثَبْتُ وَثْبَةً، فَإِذَا أَنَا مَعَ الْعِلْجِ عَلَى سَرِيرِهِ، قَالَ: فَفَجَئُونِي بِأَيْدِيهِمْ، وَوَطَئُونِي بِأَرْجُلِهِمْ. قَالَ: فَقُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ جهلت وسفهت، فَإِنَّ هَذَا لَا يُفْعَلُ بِالرُّسُلِ، وَإِنَّا لَا نَفْعَلُ هَذَا بِرُسُلِكُمْ إِلَيْنَا إِذَا أَتَوْنَا. قَالَ (ذُو الْحَاجِبَيْنِ) : إِنْ شِئْتُمْ عَبَرْنَا إِلَيْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ عَبَرْتُمْ إِلَيْنَا. قَالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ نَعْبُرُ إِلَيْكُمْ. قَالَ: فَعَبَرْنَا إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَسَلْسَلُوا كُلَّ سَبْعَةٍ وَسِتَّةٍ فِي سِلْسِلَةٍ كَيْ لَا يَفِرُّوا، فَرَمُونَا فَأَسْرَعُوا فِينَا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِلنُّعْمَانِ: إِنَّهُمْ قَدْ أَسْرَعُوا فِينَا فَاحْمِلْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ النُّعْمَانُ: يَا مُغِيرَةُ، أَمَا إِنَّكَ ذُو مَنَاقِبٍ، وَقَدْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغزوت معه، ولكني شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أخَّر الْقِتَالَ حَتَّى تزول الشمس وتهب الرِّيَاحَ وَيَنْزِلُ النَّصْرُ. ثُمَّ قَالَ النُّعْمَانُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي هازٌّ اللُّوَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَّا أَوَّلُ هِزَّةٍ فليقض الرجل حاجته وليتوضأ، وأما الثانية فليرم امْرُؤٌ شَسْعَةً وَلْيَشُدَّ عَلَيْهِ سِلَاحَهُ وَيَجْمَعْ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَأَمَّا الْهِزَّةُ الثَّالِثَةُ فَإِنِّي حَامِلٌ فَاحْمِلُوا، وَإِنّ قُتِلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلَا يَلْوِيَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَلَا يَلْوِيَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنِّي دَاعِي اللَّهَ بِدَعْوَةٍ فَعَزْمَةٌ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ لَمَا أَمَّنَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقِ النُّعْمَانَ الْيَوْمَ شَهَادَةٌ بِنَصْرِ المسلمين وفتح عليهم. قال: فأمن القوم فنقل دِرْعُهُ، ثُمَّ قَالَ: هزَّ اللُّوَاءَ ثَلَاثَ هِزَّاتٍ، ثم حمل فكان أولا صريع. قَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: فَمَرَرْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيعٌ فَذَكَرْتُ عَزْمَتَهُ فَلَمْ أَلْوِ عَلَيْهِ، وَأُعْلِمْتُ مَكَانَهُ، قَالَ: فَكُنَّا إِذَا قَتَلْنَا رَجُلًا سَفَّلَ أَصْحَابَهُ، وَوَقَعَ (ذُو الْحَاجِبَيْنِ) مِنْ بَغْلَةٍ لَهُ شهباء فانشق بكفتيه، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَتَيْتُ مَكَانَ النُّعْمَانِ وَبِهِ رَمَقٌ، فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى وجهه، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>