للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تابعا للمعلوم فلا بد ان يكون للعلم في الخارج مصداق- فكيف يتصور صحة هذا العلم- لا يقال في جوابه ان وجود الأشياء تابع لعلم الله تعالى بخلاف علوم العباد فان العلم هناك تابع للمعلوم مستفاد منه لانا نقول هذا القول لا يجديك نفعا فان العلم سواء كان تابعا للمعلوم او متبوعا له لا بد من مطابقتهما وعدم تخلف أحدهما عن الآخر- فاذا لم يعش الغلام ولم يكفر ظهر عدم تحقق القضية في الواقع فلا يجوز تعلق علم الله بالقضية حتى لا يلزم عدم مطابقة العلم بالواقع والجواب الصحيح الّذي يحسم مادة الشبهة ان صدق الشرطية وتعلق العلم به يقتضى لزوم التالي للمقدم في الواقع- ولا يقتضى وجوده طرفيها فيه الا ترى ان قوله تعالى لو كان فيهما الهة الّا الله لفسدتا صادق والعلم به متحقق مع امتناع المقدم- فمقتضى هذا العلم لزوم كفر الغلام لبقائه بحيث لا يحتمل تخلفه- كما ان صدق قولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود يقتضى لزوم وجود النهار لطلوع الشمس لا طلوعها ولا وجوده- فان قيل لزوم أحد الشيئين للاخر يقتضى ان يكون أحد الشيئين علة تامة للشيء الاخر- او يكونان كلاهما معلولين لعلة واحدة تامة- فما وجه لزوم كفر الغلام لبقائه- قلنا وجه هذا اللزوم على ما قالت الصوفية العلية رضي الله عنهم ان وجودات الأشياء كلها في الخارج ظلال للاعيان الثابتة الّتي هى ظلال لصفات الله تعالى ولما كانت الأعيان الثابتة كائنة في مرتبة العلم فلذلك قالوا المعلوم تابع للعلم ثم صفات الله تعالى منها راجعة الى كونه تعالى هاديا ومنها راجعة الى كونه تعالى مضلا فالاشياء الّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الهداية ظهور الاهتداء لازم لوجودها لا يمكن ختمها الا على السعادة- والّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الضلالة ظهور الشقاوة وختمها عليها لازم لوجودها لا يتصور منها الاهتداء وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم كلّ ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فتسييسر لعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسييسر لعمل اهل الشقاوة- متفق عليه من حديث علىّ رضي الله عنه فمعنى قوله طبع الغلام على الكفر ان مبدء تعينه كان ضلال اسم المضل فموته صغيرا قبل ظهور اثر الضلالة فيه كان أصلح له ولوالديه وكان هذا تفضلا من الله تعالى على والديه لا على ما قالت المعتزلة بوجوب الأصلح على الله سبحانه إذ لو كان كذلك لم يوجد كافر حيث يجب على الله أمانته صغيرا والله اعلم.

فَأَرَدْنا لعل معناه اشتهينا ودعونا الله سبحانه- لان ارادة العبد لا يمكن تعلقه يفعل

<<  <  ج: ص:  >  >>