للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما بعدها من ثواب وعقاب، المتّصل بدعوة الرسول (ص) فهو الحق الأكبر الشامل للكون كله، والشامل للبدء والمصير.

[الآيات الكونية في سورة الحجر]

عرضت سورة الحجر لألوان المكابرة والعناد التي يلجأ إليها الكافرون ثم انتقلت إلى معرض الآيات الكونية مبدوءا بمشهد السماء فمشهد الأرض، فمشهد الرياح اللواقح بالماء، فمشهد الحياة والموت، فمشهد البعث والحشر. كل أولئك، آيات يكابر فيها المعاندون. قال تعالى:

وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) .

إنه الخط الأول في اللوحة العريضة، لوحة الكون العجيب الذي ينطق بآثار اليد المبدعة، ويشهد بالإعجاز، ويكشف عن دقة التنظيم والتقدير كما يكشف عن عظمة القدرة على هذا الخلق الكبير. والبروج قد تكون النجوم والكواكب بضخامتها، وقد تكون منازل النجوم والكواكب التي تنتقل فيها بمدارها. وهي في كلتا الحالتين شاهدة بالقدرة وشاهدة بالدقة، وشاهدة بالإبداع الجميل. قال تعالى:

وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) .

وهي لفتة إلى جمال الكون، وبخاصة أن تلك السماء تشي بأن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون، فليست الضخامة وحدها وليست الدقة وحدها، إنما هو الجمال الذي ينظم المظاهر جميعا، وينشأ من تناسقها جميعا.

وإنّ نظرة مبصرة إلى السماء في الليلة الحالكة، وقد انتثرت فيها الكواكب، والنجوم توصوص بنورها ثم تبدو كأنّما تخبو، ريثما تنتقل العين لتلبّي دعوة من نجم بعيد، ونظرة مثلها في الليلة القمرية والبدر حالم، والكون من حوله مهموم كأنما يمسك أنفاسه حتى لا يوقظ الحالم السعيد.

إن نظرة واحدة شاعرة، لكفيلة بإدراك الحقيقة في الجمال الكوني، وعمق هذا الجمال في تكوينه، ولإدراك معنى هذه اللفتة العجيبة:

وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) .