للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليثبّت المؤمنين بأخذهم بالأحكام على التدريج، ويكون هدّى وبشرى لهم فلا يصحّ مع هذا، أن يؤخذوا بالأحكام دفعة واحدة.

والشبهة الثانية، أنهم كانوا يقولون إنه يتعلّم القرآن من بعض نصارى مكة، من الأعاجم، وقد أجابهم عنها بأن الذي يزعمون أنه يتعلّمه منه، لسانه أعجمي، والقرآن لسانه عربي في أعلى درجات البيان ثم ذكر أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، ويزعمون ذلك فيه، لا يهديهم الى الإيمان به، مع ظهور فضله، وأنّ الذي يفتري الكذب عليه إنّما هو من لا يؤمن بآياته، لا من يؤمن بها، ثم ذكر، ممّن يفتري الكذب عليه بالطعن في القرآن، من كفر منهم بعد إيمانه، واستثنى منه من أكره على الكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان، وأوعد من شرح بالكفر صدرا بعد إيمانه، بأن عليهم غضبا منه ولهم عذاب أليم، لأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الاخرة، وأنّ الله لم يشأ هدايتهم بعد اختيار الكفر على الإيمان، وطبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، فهم في الاخرة هم الخاسرون أمّا الذين أكرهوا بالفتنة على الكفر، فإن الله لهم، وإنه من بعد فتنتهم لغفور رحيم:

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١) .

الخاتمة الآيات [١١٢- ١٢٨]

ثم قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) ، فختم السورة ببيان سبب استحقاقهم، ما أنذروا به من العذاب في أوّلها، وهو أنّهم كانوا أصحاب قرية «١» آمنة مطمئنة، يأتيها رزقا رغدا من كل مكان فكفروا بأنعم الله عليهم، فأذاقهم لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون وقد جاءهم أيضا رسول منهم فكذّبوه، فأخذهم العذاب وهم ظالمون ثم أمرهم أن يأكلوا مما رزقهم حلالا طيّبا، ولا يحرّموا منه ما حرّموه في


(١) . هذه القرية هي مكة.