للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تشير إليه القصة في ثناياها، إذ يقول الله عزّ وجلّ:

وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها [الآية ٢١] .

[قصة موسى والخضر]

أما قصة موسى وقتاده والعبد الصالح، فلبابها ومغزاها إثبات قصور الخلق مهما سمت عقولهم، وكثرت علومهم أمام إحاطة الله سبحانه وعلمه.

وهكذا، ترتبط في سياق السورة، قصة موسى والعبد الصالح، بقصة أصحاب الكهف في ترك الغيب لله الذي يدبر الأمر بحكمته، وفق علمه الشامل الذي يقصر عنه البشر الواقفون وراء الأستار، لا يكشف لهم عمّا وراءها من الأسرار إلّا بمقدار.

لقد وقف موسى (ع) خطيبا في بني إسرائيل فأجاد وأبدع في خطبته، فقال له أحد المستمعين: ما أفصحك يا نبيّ الله، هل في الأرض من هو أكثر علما منك؟ قال موسى: لا، فأخبره الله أن في الأرض من هو أكثر علما منه فقال موسى: يا ربّ دلّني عليه حتى أذهب إليه فأتعلّم منه.

وضرب موسى لنا مثلا رائعا في الرحلة لطلب العلم وتحمّل الصعاب والمشقّات بهمّة الرجال وعزيمة الأبطال.

إذا همّ ألقى همّه بين عينه ونكّب عن ذكر العواقب جانبا سار موسى مع تابع له هو يوشع بن نون ومعهما حوت في مكتل «١» ، وبلغ مجمع البحرين: بحر الروم وبحر القلزم. أي البحر الأبيض والبحر الأحمر، أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر.

وفي المكان الذي أراد الله أن يلتقي فيه نبي إسرائيل بعبده الصالح، فقد موسى حوته، وعاد ليبحث عنه فوجد رجلا نحيل الجسم، غائر العينين، عليه دلائل الصلاح والتقوى، فسلم عليه موسى، وتلطّف معه في القول، وأبدى رغبته في اتّباعه ليتعلّم منه العلم، فاشترط الخضر على موسى الصبر والتريث، فقال موسى كما ورد في التنزيل:


(١) . المكتل: القفّة