للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «طه» «١»

قوله سبحانه: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [الآية ١٥] وهذه استعارة على أحد التأويلين. وهو مما سمعته من شيخنا أبي الفتح النحوي «٢» ، عفا الله عنه. قال: الذي عليه حذّاق أصحابنا: أنّ «كاد» هاهنا على بابها من معنى المقاربة. إلا أن قوله تعالى:

أُخْفِيها يؤول إلى معنى الإظهار.

لأن المراد به: أكاد أسلبها خفاءها.

والخفاء الغشاء والغطاء مأخوذ من خفاء «٣» القربة، وهو الغشاء الذي يكون عليها.

فإذا سلب عن الساعة غطاؤها المانع من تجلّيها، ظهرت للناس، فرأوها فكأنه تعالى قال: أكاد أظهرها. قال لي: وأنشدني أبو علي «٤» منذ أيام بيتا هو من أنطق الشواهد على الغرض الذي رمينا. وكان سماعي ذلك من أبي الفتح رحمه الله، وأبو علي حينئذ باق لم يمت، وهو قول الشاعر «٥» :


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(٢) . هو أبو الفتح عثمان بن جنّي، إمام النحو المشهور، وأستاذ المؤلّف، وقد سبق تعريفنا به في هوامش مجازات سورة التوبة.
(٣) . الخفاء: الغطاء وجمعه أخفية.
(٤) . أبو علي، هو أبو علي الفارسي، واسمه الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار، كان إماما في العربيّة. وكان يسأل في كل بلد يحلّ فيه عن مسائل من اللغة والنحو والصرف، فيجيب إجابات سديدة. وصنّف في أسئلة كلّ بلد كتابا.
وقد تعاصر المؤلف وابن جنّي وأبو علي الفارسي. وكان المؤلّف شابّا ناشئا، حين تقدّمت السن بأبي علي الفارسي، الذي توفي سنة ٣٧٧ هـ، على حين أن الشريف الرضي ولد سنة ٣٥٩ هـ.
(٥) . هذا البيت لم يذكر له قائل. وهو من أبيات الشواهد في «لسان العرب» ولم ينسب لقائله.