للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «فاطر» «١»

قوله سبحانه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [الآية ١٠] هذه استعارة. وليس المراد أنّ هناك على الحقيقة شيئا يوصف بالصّعود، ويرتقي من سفال إلى علوّ. وإنّما المراد أنّ القول الطّيب والعمل الصالح متقبّلان عند الله تعالى، واصلان إليه سبحانه. بمعنى أنهما يبلغان رضاه، وينالان زلفاه. وأنّه تعالى لا يضيّعهما ولا يهمل الجزاء عليهما. وهذا كقول القائل لغيره: قد ترقّى الأمر إلى الأمير. أي بلغه ذلك على وجهه، وعرفه على حقيقته. وليس يريد به الارتقاء الّذي هو الارتفاع، وضده الانخفاض.

ووجه آخر: قيل إن معنى ذلك صعود الأقوال والأعمال إلى حيث لا يملك الحكم فيه إلّا الله سبحانه. كما يقال ارتفع أمر القوم إلى القاضي. إذا انتهوا إلى أن يحكم بينهم، ويفصل خصامهم. ووجه آخر: قيل إنّ الله سبحانه لمّا كان موصوفا بالعلوّ على طريق الجلال والعظمة، لا على طريق المدى والمسافة، فكلّ ما يتقرّب به إليه من قول زكيّ، وعمل مرضيّ فالإخبار عنه يقع بلفظ الصعود والارتفاع، على طريق المجاز والاتّساع.

وقوله سبحانه: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى [الآية ١٨] .

وقد مضى نظير هذا الكلام في الأنعام، وفي بني إسرائيل، وتركنا الإشارة إليه


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.