للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الزّمر» «١»

قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الآية ٥] .

هذه استعارة. والمعنى يعلي هذا على هذا. وذلك مأخوذ من قولهم:

كار العمامة على رأسه يكورها: إذا أدارها عليه. وقد قالوا: طعنه فكوّره، أي صرعه. ومنه قول أبي كبير الهذلي: «٢» متكوّرين على المعاري بينهم ضرب كتعطاط المزاد الأنجل ومنه الحديث المأثور: (نعوذ بالله من الحور بعد الكور) «٣» أي من الإدبار بعد الإقبال. وقيل من القلة بعد الكثرة. لأنهم يسمّون القطيع الكثير من البقر وغيرها كورا. ومنه قول أبي ذؤيب «٤» في صفة الثور:


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(٢) . أبو كبير الهذلي هو عامر بن الحليس. وهو شاعر جاهلي. وله ترجمة في «الشعر والشعراء» و «الإصابة» والخزانة» واللئالي» . وزعموا أنه تزوج أم الشاعر «تأبّط شرّا» ، وكان هذا غلاما صغيرا، فلمّا رآه يكثر الدخول على أمه تنكّر له. والقصة كاملة في كتاب «ديوان الهذليين» ج ٢ ص ٨٨ ومتكوّرين أي بعضهم على بعض، والمعاري السوآت. والتعطاط من العط، وهو الشق، والأنجل الواسع.
(٣) . في «أساس البلاغة» : «وأعوذ بالله من الحور بعد الكور» . والباطل في حور- بالضم- وهما النقصان، كالهون والهون. والحديث كاملا في «المجازات النبوية» طبع القاهرة. صفحة ١١٣، ونصه: «اللهمّ إنّا نعوذ بك من وعثاء السفر. وكابة المنقلب، والحور بعد الكور. وسوء المنظر في الأهل والمال» .
(٤) . هو أبو ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد، جاهلي إسلامي، وكان راوية للشاعر الهذلي ساعدة بن جؤيّة. وقالوا: إنه خرج مع عبد الله بن الزّبير في مغزى نحو المغرب فمات. وهو صاحب العينية المشهورة الّتي يرثي بها سبعة من أبنائه ماتوا في يوم واحد، ومطلعها:
أمن المنون وريبها نتوجع ... والدّهر ليس بمعتب من يجزع
وشعره في «ديوان الهذليين» طبع دار الكتاب المصرية.