للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث السادس لكل سؤال جواب في سورة «الدخان» «١»

إن قيل: الخلاف بين النبي (ص) ومنكري البعث إنما كان في الحياة بعد الموت لا في الموت، فلم قال تبارك وتعالى: إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى، ولم يقل إلا حياتنا، كما قال تعالى في موضع آخر: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [المؤمنون/ ٣٧] وما معنى وصف الموتة بالأولى، كأنهم وعدوا موتة أخرى، حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الموتة الأولى؟

قلنا: لمّا وعدوا موتة تكون بعدها حياة نفوا ذلك، كأنهم قالوا: لا تقع في الوجود موتة تكون بعدها حياة، إلّا ما كنا فيه من موتة العدم، وبعثنا منه الى حياة الوجود. وقيل إنهم نفوا بذلك الموتة الثانية في القبر، بعد إحيائهم لسؤال منكر ونكير.

فإن قيل لم قال تعالى: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) والعذاب لا يصب، وإنما يصب الحميم، كما في قوله تعالى في موضع آخر: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) [الحج] ؟

قلنا: هو استعارة ليكون الوعد أهول وأهيب، ونظيره قوله تعالى: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) [الفجر] وقوله تعالى: أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً [البقرة/ ٢٥٠] ، وقول الشاعر:

صبّت عليهم صروف الدّهر من صبب فإن قيل: لم وعد الله أهل الجنة


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.