للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النبأ» «١»

أقول: وجه اتصالها بالسورة التي قبلها، سورة «المرسلات» : تناسبها معها في الجمل. ففي تلك: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) .

أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) . إلى آخره.

وفي هذه: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) إلى آخره. فذلك نظير تناسب جمل:

«الضحى» و «ألم نشرح» ، بقوله تعالى في الضحى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) إلى آخره. وقوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) ، مع اشتراك هذه السورة، والأربع التي قبلها، في الاشتمال على وصف يوم القيامة وأهواله، وعلى ذكر بدء الخلق، وإقامة الدليل على البعث.

وأيضا في سورة المرسلات: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) . وفي هذه السورة:

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) إلى آخره.

فكأن هذه السورة شرح ليوم الفصل، المجمل ذكره في السورة التي قبلها «٢» .


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ/ ١٩٧٨ م.
(٢) . لم يذكر المؤلف سورة النازعات، ومناسبتها لما قبلها. ونرى، والله أعلم: أنه طال وصف يوم القيامة في «النبأ» ، ثم ذكر في «النازعات» حجة من أنكرها، وردّ عليها، فقال: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) وذكر ندامتهم على تفريطهم بقوله سبحانه: قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) . ثمّ أكّد قدرته على إحياء الموتى، وأقام الدليل عليها في بقيّة السورة.