للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الفجر» «١»

أقول: لم يظهر لي من وجه ارتباطها سوى أنّ أوّلها كالإقسام على صحّة ما ختم به السورة التي قبلها، من قوله جل جلاله: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦) [الغاشية] . وعلى ما تضمّنه من الوعد والوعيد. كما أنّ أوّل «الذاريات» قسم على تحقيق ما في «ق» ، وأول «المرسلات» قسم على تحقيق ما في «عمّ» . هذا، مع أنّ جملة: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) هنا، مشابهة لجملة أَفَلا يَنْظُرُونَ [الآية ١٧] في سورة الغاشية «٢» .


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ/ ١٩٧٨ م.
(٢) . بل هناك وجوه ارتباط أوضح ممّا ذكر المؤلّف. وذلك: أنه تعالى ذكر في «الغاشية» صفة النار والجنّة مفصلة على ترتيب ما ذكر في سورة الأعلى. ثمّ زاد الأمر تفصيلا في «الفجر» بذكر أسباب عذاب أهل النار، فضرب لذلك مثلا بقوم عاد، وقوم فرعون، في قوله جلّ وعلا: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إلى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) . ثمّ ذكر بعض عناصر طغيانهم في قوله سبحانه: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وما بعدها.
فكأنّ هذه السورة إقامة الحجّة عليهم.
وكذلك جاء في الغاشية: إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) [الغاشية] .
ثم ذكر في «الفجر» مادة تذكير من كان قبلهم من الكفّار، وأنّه سيعذبهم في الآخرة، وأنّ الندم لن ينفعهم شيئا، فقال تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) .