للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل أمة. فيا صاحب هذا السمو إن كان ذلك شعرك فقد سلمنا لك ما تدعي من أن الكثرة المطلقة في الشعر الجاهلي منحولة بل كل الشعر الجاهلي مكذوب موضوع لما فيه من التوليد والسخف والركاكة، وأنه لا يمثل الحياة الجاهلية.

وإنما جاءك الدليل على هذا الرأي من أنك لو كنت أنت في ذلك العهد ولجأت إليك القبائل تستكثر بك من وقائعها وأشعارها، وجاءك الرواة يحملون عنك والقُصاص لتخلق لهم ذلك الخلق - لوضعت على فحول الجاهلية من نمط أبياتك هذه جزالة وقوة وإحكاماً وذهاباً في فنون الشعر، فعضَل شعرُك بأهل النقد والتمييز، ولا تُجريه في شعر إلا أشبهته وامتزجت به امتزاج الماء الصافي بالماء الصافي وإن كانا من نبعين مختلفين فلا يعرف بعد امتزاجهما أيهما من هنا وأيهما من ثم! . . .

إني والله أستحي لـ طه حسين أن يكون هذا شعره ثم يتكلم في الشعر، فإن

هذا الكلام الركيك ما فصل عن نفسه إلا وبينهما شبه في الجفاء والغلظة

والاضطراب والتخرق؛ وما يسقط الأستاذ أكثر ما يسقط في كتابه الشعر

الجاهلي إلا من هذه العلة الشعرية في ذهنه، ومن تلك العلة الفلسفية في رأيه

فما هو شاعر ولا هو فيلسوف، ولكن كتابه قائم على الشعر وإدراكه وتمييزه وتصحيح نسبته من فحول كبار أئمة هذا الفن، وعلى الفلسفة في التاريخ وتناولها الأشياء والحوادث والأشخاص من جهة عللها وأسرارها فلا جرم تهافَت وتعثر وأحال وتناقض بحيث لا يصيب في واحدة إلا أخطأ في عشر.

ولم يكن بدعاً أن يجيء كتابه على مقداره فيغلب عليه الضعف ويفسده

التعسف - وتنزعه النزعات - الخبيثة لا يكون كتابه في حاجة إليها ولكنها من حاجة نفسه فلا يزيد على أن يفتضح بها؛ ومن أغربها قوله في صفحة ٧٤ إذ نقل من الأغاني عن عبد العزيز بن أبي نهشل قال: إنه قال لي أبو بكر بن عبد العزيز وجئته أطلب مَغرَماً: يا خال، هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة

وقل: سمعت حساناً ينشدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول سمعت عائشة تنشدها فعلت. قال: لا.

إلا أن تقول سمعت حساناً ينشدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى علي وأبيتُ عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليال.

فأرسل إليَّ وقال: قل أبياتاً تمدح بها هشاماً وبني

أمية واجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك الخ الخ.

قال أستاذ الجامعة المتبع مذهب ديكارت: فانظر إلى ابن عبد الرحمن

كيف أراد صاحبه على أن يكذب وينتحل الشعر (كذا) على حسان.

ثم لا يكفيه

<<  <   >  >>