للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ربما تنبأ - سَلفاً - بما سيكون عليه الحال فلا يفيد منها فائدة جديدة.

وليس الحال كذلك في القرآن. بل فيه - فوق دقة النظم وجمال التركيب

- غرابة وجزالة. ولنأخذ لذلك - مثلاً - سورة التكوير:

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) .

لنَتْل هذه السورة حق التلاوة، ولنتأمل الشرط الذي بدئت به. وللننظر إلى

الأشباه والنظائر التي عطفت عليه. ولتستحضر معاني هذه الصور التي ترمز

إليها كل وحدة من وحدات الشرط وأشباهه ونظائره. ولنحاول تأملها كأنها

واقعة - الآن بالفعل - ولندرك كم من المراحل سبحنا فيها. وكم من المشاهد تجددت أمامنا كل مشهد غريب غريب في هيئته وصورته رهيب رهيب في حدوثه وظهوره. يعلو ويسفل. . مرة في السماء وأخرى على الأرض.

إنها رحلة طويلة شاقة تقطعها النفس حتى تقف على حقيقة المرحلة

والغاية التي من أجلها شُدَّت الرحال: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) (١) .


(١) تأمل تنكير* نفس " وتذوَّق ما توحي به العبارة من جلال الوقف وخطره - والآية من سورة التكوير: ١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>