للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى هذا الحذف - فوق ما ذكِر - إشارة إلى طابع الإسلام وأنه ليس دين

تفرقة وخصومة، بل هو دين جامع لما فرَّقه الناس من الأديان، داعياً إلى

الإيمان بالكتب كلها على حد سواء، لأن الله أنزلها. كما أنزل على إبراهيم

وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتِىَ موسى وعيسى

والنبيون من ربهم لا يفرق بين أحد منهم.

* *

[* جواب اليهود:]

وكان جواب اليهود: أن الذي دعانا إلى الإيمان بالتوراة. ليس كونها أنزلها

الله فحسب، بل لأنها أُنزلت علينا. والقرآن لم ينزل علينا. فلكم قُرآنكم ولنا توراتنا، ولكل أمة شِرعة ومنهاج هذه المعاني أوجزها الله في قوله: (نُؤْمنُ بمَا أُنزلَ عَليْنَا) وهذا هو المقصود الأول،

وقد زاد في إيجاز هذه العبارة أن حَذف منَها فاعل الإنزال: " الله " لتقدم ذكره في نظيرها.

ومن الواضح أن الإيمان بما أُنزل عليهم يومئ إلى كفرانهم بما أنزل على غيرهم

- ومنه القرآن - وهذا هو القصد الثاني. ولكنهم تحاشوا التصريح به لا فيه

من شفاعة التسجيل على أنفسهم بالكفر، فأراد القرآن أن يبرزه ويفضح أمرهم.

فكيف أبرزه؟ إنه لم يجعل لازم مذهبهم مذهباً لهم، ولم يُنقل عنهم ذلك نقلاً

ضمن ما قالوه. لأنهم لم يقولوه صراحة. بل أخرجه في معرض الشرح والتعليق على مقالتهم. فقال: (وَيَكْفُرُونَ بمَا وَرَاءَهُ)

أليس ذلك هو غاية الأمانة فى النقل؟

وجاء التعبير (بمَا وَرَاءَهُ) محدداً للجريمة أبين تحديد.

لأنهم كما كفروا بالقرآن كفروا بالإنجيَل، وكلاهما وراء التوراة.

ولكنهم لم يكفروا بما قبل التوراة لعدم تزاحمه لهم فيما بين أيديهم.

وهذا لفظ جامع مانع، وغاية في توخي الصدق في الاتهام.

فعداوة اليهود الحاقدة للقرآن لم تمنع القرآن من الإنصاف والعدالة.

* *

<<  <  ج: ص:  >  >>