للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعلماء مختلفون في هَذِهِ المسألةِ، أَيُّهم أفضلُ؟ ولكنِ الصَّوابُ هذا التفصيلُ، فيُقال: الذي يَفْعَلُ الطاعةَ، وهي سَهْلَةٌ عليه، ويَنْقَادُ لها دُونَ مُكَابَدَةٍ، هذا -لَا شَكَّ- أنه أَكْمَلُ حالًا مِن الأول، والثَّاني أَشَقُّ عليه، فيُعْطَى الأجْرَ على قَدْرِ المَشَقَّةِ النَّفْسِيَّة.

قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: يَدفعون {بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}، و {السَّيِّئَةَ} مفعول به، والباء في قَوْلِهِ تعالى: {بِالْحَسَنَةِ} باء الآلَة، كَقَوْلِك: ذبحتُ بالسِّكِّين، وضربتُ بالعَصَا.

فهنا: دارئ، ومَدْرُوء، ومَدْروءٌ به، والدَّارئ في الآيَة: العامِلُون، والمَدْرُوءُ: السيئةُ، والمَدْرُوءُ به: الحسَنَة، فالحَسَنَةُ لهم بِمَنْزِلَة الآيةِ التي يَتَوَصَّلُون بهَا إلَى غَرَضِهم.

يقول المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [بالسَّيّئَةِ مِنْهُمْ]، فإذا فعلوا سَيِّئة أتَوْا بَعْدَهَا بِحَسَنَةٍ، فاندفعتِ السيئةُ.

والحسنةُ التي تَدْرَأُ السيئةَ تَنقَسِم إلَى قِسمَين: قِسم يُزيل السيئة مِن بَاب المقابلة، وقِسم آخَر يُزِيل السيئة مِن بَاب المَحْوِ والإزالة، فإن كانت الحسنةُ المدروءُ بها السيئةَ مِن بَابِ التوبة، فهو مِن بَاب المَحْوِ والإزالة، وَإن كَانَت حسنةً أخرى، كَمَا لَو دَفَع السيئاتِ بالصلاة، كما في قَولِه تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، فهذا الدَّرْءُ مِن بَاب المقابلة، أَيْ: إِنَّ ثواب الحَسَنَة يُقابَل بعُقُوبة السيئة مِن بَابِ الموازَنَة؛ فإذا رَجَحَ ثوابُ الحسَنَةِ انْمَحَتِ السيئةُ، وإِلَّا فلا.

والأوَّلُ أكملٌ؛ لأَنَّه إذَا حَصَل صارتِ الحسنةُ الثَّانيةُ زيادةَ رِفْعَةٍ في الدرجات، وليست بمقابَلة بالسيئة.

<<  <   >  >>