للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَن: المثَلُ واضِحٌ جدًّا في أنَّ هَؤُلاءِ المُشْركِينَ يُفرِّقونَ بيْنَ المُتماثِلَيْن، فكَما أنَّكُم الآنَ وبإقْرَارِكُم أنَّ عَبِيدَكُم لا يُساوُونَكُم في المنزلةِ ولَا يُشارِكُونَكُم في الرِّزقِ، فكَذَلِك أيْضًا مَا يمْلِكُه الله عَزَّ وَجَلَّ مِن هَذِهِ الأصنامِ وغيْرِها لَا يُساوُونَ الله تَعالَى في المَنْزلَةِ، ولَا يُشارِكُونَه في الحُقوقِ، وَهَذا مَثَلٌ ظاهِرٌ جدًّا.

ومثالُه مِن أنْفُسِنا نَحْنُ: هَذا رجُلٌ يُؤدِّبُ ولدَه إِذا أخْطَأ، فقَال لَهُ بعْضُ النَّاسِ: لماذَا تضرِبُه؟ لماذَا تنْهَرُه؟ فإنَّه سيَقُولُ: ألَسْت تفْعَلُ بِولَدِك مثْلَ هَذَا؟ !

والجوابُ: بَلى، إِذَنْ كيْفَ تلُومُني عَلَى شيْءٍ تفْعلُه أنْتَ؟ !

فيُقالُ لهَم: كيْف تَجْعلُون مَع الله شَرِيكًا فِيما يسْتَحِقُّه وحدَه، وأنتم لَا تجْعَلُون لأنْفُسِكُم شرِيكًا مِن عَبيدِكُم فِيما تخْتَصُّونَ بِه مِنَ الرِّزْقِ؟ ! هَذا الَّذِي ذَكر الله عنْهُم.

والعجِيبُ أن هَذِهِ الآيَةَ استدَلَّ بِها مَن يَرَوْن الاشْتِراكِيَّة (١)، فأوَّل مَا ظهرَتْ الاشْتراكِيَّةُ في العالَم العربيِّ بدَؤُوا يأْتُون بالنُّصوصِ المُتشابِهَةِ، وقالُوا: هَذِهِ الآيَةُ صرِيحَةٌ في الاشْتراكِيَّةِ؛ لأَنَّهُ يقولُ: {فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}، فانْظُرْ: كيف التّلبيسُ؟ وهذِه ليْسَتْ عَلَى ما أرَادُوا، إذْ هِي داخلَةٌ في النَّفْي، يعْني لسْتُم فِيه سَواءً، لكِن دَائِمًا أهْلُ الباطِلِ يُلَبِّسونَ لبَاطِلِهم بمُتَشابَهِ النُّصوصِ، وهَذهِ مِنْ حكْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ، أنَّه جعَل في النُّصوصِ أشْياءَ متُشابِهةً ليضِلَّ بِها مَن يضِلُّ.

وقولُ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: [{فَأَنْتُمْ} وَهُمْ {فِيهِ سَوَاءٌ}]، المُفَسِّر رَحَمَهُ الله أَتَى بكَلِمة (وَهُم) لأَنَّ المُساواةَ لَا تكُونُ إِلا بيْنَ شيْئَيْنِ؛ فلِهَذا أتَى بقَوْله: (وَهُم)، ولَا حاجَة إلَيْها في الحقِيقَةِ، فالكلامُ تامٌّ بدُونِها إِذْ مِن المُمْكِنِ أنْ نقُولَ: {فَأَنْتُمْ}،


(١) انظر كتاب (بطلان الاشتراكية) لفضيلة الشّيخ رَحَمَهُ اللهُ.

<<  <   >  >>