للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوْله تَعالَى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: إذا قِيلَ: إن هَذا خطابٌ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم - والشِّركُ في حقّه ممتنِعٌ.

قُلْنَا: لا يمتنعُ أنْ نُخَاطِبَ شخصًا بإثْبَاتِ ما هو علَيْه، أو بنفي ما هو مُنتفٍ عنه، ويكون المعنى الثُّبوت عَلَى ما ذُكِرَ، يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النّساء: ١٣٦]، هم مؤمنونَ، لكن المعنى: اثبتوا كَذَلِكَ، فأنتَ إذا قُلتَ لشخصٍ: (لَا تُشْرِكْ)، وهو لا يشركُ، صار المعنى: اثبت عَلَى نفي الشّركِ.

قال المُفَسّر رَحَمَهُ الله: [{مِنَ الَّذِينَ} بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الجارِّ]، بدلٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وأفادَنا المُفَسّر رَحَمَهُ الله أنَّ البدلَ عَلَى نوعَيْنِ، تَارَة بإعادةِ العاملِ، وتَارَة يكونُ بعدمِ الإعادةِ، فإذا قلتَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ أَخِيكَ) فَهَذَا بعدمِ إعادةِ العاملِ، وإذَا قُلْتَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ بِأَخِيكَ) فهَذا بإعادةِ العاملِ، وهنا قَالَ: {مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ}، بدلٌ بإعادةِ العاملِ الَّذي هو حرفُ الجرِّ.

قال المُفَسّر رَحَمَهُ اللهُ: [{فَرَّقُوا دِينَهُمْ} بِاخْتِلافِهِمْ فِيمَا يَعْبُدُونَهُ، {وَكَانُوا شِيَعًا} فِرَقَا في ذَلِكَ {كُلُّ حِزْبٍ} مِنْهُمْ {بِمَا لَدَيْهِمْ} عِنْدَهُمْ {فَرِحُونَ} مَسْرُورُونَ].

قوْله تَعالَى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ}: هَذَا وَصْفٌ لهَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ، وصفٌ مذمومٌ {فَرَّقُوا دِينَهُمْ} حيْثُ كان لكلّ واحدِ منهم مِلَّةٌ ونِحْلَةٌ، فهَؤُلاءِ يعبدونَ حَجَرًا، وأولئكَ يعبدونَ شمسًا، والآخرونَ يعبدونَ قمرًا، والرّابعُ يعبدُ شجرًا ... وهكَذا، ثمَّ إنَّ لهم نِحَلًا مختلفةً فيما يَسْلُكونَهُ في مِنْهَاجِ عِبادتِهم، فَهُمْ فرَّقوا دِينَهُم، وفي قوْله تَعالَى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} أي: شَتَّتُوهُ ووزَّعُوه، دليلٌ عَلَى أنَّه لا ينبَغِي للأمَّةِ الإسْلامِيَّة أنْ تُفَرِّقَ دِينَها؛ فاليهودُ والنّصارى فرَّقوا دِينَهُم، اليَهُودُ

<<  <   >  >>