للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِبَل الله تَعالَى، فهُو الَّذي عيَّنه، وهذَا التّعْيينُ يشْمَلُ الابتِداءَ والانتِهاءَ، فابتدَاؤُها بأجَل وانتِهاؤُها بأَجَلٍ أيضًا، فإِنَّ الله تَعالَى أَوْجَد هَذِهِ السّموَاتِ وَالأرْض بَعْدَ أنْ كانَتْ معدُومَة، وإيجادُهُ لها كَانَ بِالأجَلِ المعَيَّنِ عنْدَه، وَكَذلِكَ سوْفَ يُنْهِي السّموَاتِ وَالأرْضَ، وإنْهاؤُه إيَّاها بالأجَلِ.

إِذَنْ: كُلُّ شيءٍ عنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ مُقَدَّرٌ، حتَّى الحوادِثُ التي تَحْدُث فِي السّمواتِ وَفي الأرْض بعْدَ خلْقِها، وإيجَادُها كُلُّه بأَجَلٍ لا يتَقَدَّمُ ولا يتَأَخَّرُ، وإِذا تأمَّلْتَ قلِيلاً عرَفْتَ بذَلِك كَمالَ قُدْرَةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكيْفَ أنَّ هَذِهِ الأمُورَ والشّؤُونَ العظِيمَةَ الكثِيرَةَ كُلَّها تُدَبَّرُ بأَجَل لا يتقَدَّمُ ولا يتأَخَّرُ، فنَحْنُ مثَلاً نُقَرِّرُ أنْ نبْدأَ الدّرْسَ في السّاعَةِ الثّامِنَةِ، ولكِنْ أحيانًا نبْدَأُ السّاعَة الثّامِنَةَ والنّصْفَ، وأحْيانًا السّاعَةَ الثّامِنَةَ والثّلُثَ، فنتَأَخَّرُ وَلا يَنتظِمُ أمرُنا مَع أنَّه بَسِيطٌ، وهَكذَا كُلُّ شُؤونِ الخلْقِ لا يُمْكِنُ لأحدٍ أن يَضْبِط جَمِيعَ أعمَاله بأَجَلِها المحَدَّدِ مهْما بلَغَ فِي الحرْصِ؛ لأنَّهُ قد يَعْتَرِيه مَا لا طَاقَةَ لهُ بِه؛ فَلا يستَطِيعُ، لكِنَّ الرّبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى حدَّدَ كُلَّ شيْءٍ بأَجَلِه لا يتَقَدَّمُ ولا يتَأَخَّرُ، ولا شَكَّ أنَّ هذَا مِن كَمالِ الحكْمَةِ والصّنعْ، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨].

فإذَا تأمَّلْنا هَذا الكوْنَ العظِيمَ عَلَى مَا فِيه مِنَ الحوَادِث الفلَكِيَّةِ والأرْضيَّةِ والعامَّةِ والخاصَّةِ فإِنَّنا فِي الحقِيقَةِ نسْتَدِلُّ بِه دَلالَةً واضِحَةً عَلَى كَمال قُدْرَةِ المدَبِّرِ لهذَا الكوْن الخالِق لَه، وأنَّ كُلَّ شيْءٍ بِأجَلٍ.

وفي آيَةٍ أُخْرَى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨]، فهُو أيضًا بمِقْدارٍ، فهُوَ بأَجَلِه وبمقْدَارِه، لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ، سُبْحانَ الله العظِيمِ.

قولُه رَحِمَهُ اللهُ: [{وَأَجَلٍ مُسَمًّى} لِذَلِكَ تَفْنَى عِنْدَ انْتِهَائِهِ وبَعْدَهُ البعْثُ]: أي:

<<  <   >  >>