للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفائدة الثالثة عشرة: أنَّ الإنسان بمعصِيَته لا يضُرُّ إلا نفسَهُ، ويدُلُّ لهذَا قوْلُ الله عَزَّ وَجَل في الحدِيثِ القدسِيِّ: "يَا عِبَادِيَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِك في مُلْكِي شَيْئًا" (١)، يعْنِي لا يضُرُّه، فحتَّى لوْ خَرَجْتُم عنْ عِبَادِتي والتّعبُّدِ لي فإِنَّ ذَلِك لا يَضُرُّني.

الفائدة الرابعة عشرة: أنَّ العبْدَ فاعِل مختار؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فأثْبَتَ الظّلْمَ منْهُم لأنفُسِهِمْ، ومنْ وجْهٍ آخَر يُؤْخَذُ أيضًا مِن نفْسِ الآية {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ}؛ لانهُ لَو كانَ يُجْبِرُهم عَلَى ذَلِك لكانَتْ عُقوبَتُهم ظُلْما، لو اعْتَقَدَ الإنسان أنَّ الله يُجْبِرُ الإنسان عَلَى فِعْلِ المعْصِيةِ ثمَّ يُعاقِبُهُ علَيْها فإنَّ هَذا ظلم، فَفِيها دَلِيل عَلَى الأفْعَالِ الاخْتِيارَّيةِ مِن جِهَتَيْنِ:

• مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

• ومنْ قوْلِه تَعالَى: {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ}.

الفائدة الخامسة عشرة: أنَّ الظّلْمَ في حَقِّ الله مِنْ حيْثُ هُو مُمكنٌ يعْني مِن حيْثُ القُدْرَةُ علَيْه فهُو ممكنٌ؛ وَهذا أثْنَى الله عَلَى نفْسِه بانْتِفَاءِ الظّلمِ عنْهُ، أوْ أثنَى عَلَى نفْسِه بنَفْيِهِ ظُلْمَه للعِبادِ، وَهَذا أحْسَنُ، ولَوْ كَان هَذا مِنَ الأمورِ المستَحِيلَةِ مَا كانَ هُناكَ محَلٌّ للثَّناءِ، فهُوَ قَادِرٌ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنْ يظْلِمَ لَوْ شَاء، لكِنَّهُ لا يَشَاءُ ذَلِك لكَمَالِ عدْلِه.

إِذَنْ: فالظّلْمُ ممتَنِع عَنِ الله لكَمَالِ عدْلِهِ خِلافًا للجَهْمِيَّةِ الَّذِين يقُولونَ إِنَّ الظّلْمَ ممتَنِع لاستحالته بذَاتِهِ عَلَى الله، قَالُوا هَذا شيْءٌ مستَحِيلٌ فجَعلُوا محَلَّ الثّناءِ أمْرًا مستَحِيلًا عقْلًا.

* * *


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصّلة والآداب، باب تحريم الظّلم، رقم (٢٥٧٧).

<<  <   >  >>