للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهذا في حَدِيث الحسَنِ بْنِ عَليٍّ قَال: "وَقِني شَرَّ مَا قَضَيْتَ" (١)، أيْ شَرَّ الَّذي قضَيْتَ، فأَضافَ الشّرَّ إِلَى المقْضيِّ لَا إِلَى القضاءِ.

واعْلَم أيْضا أنَّ المقْضِيَّ نفسَه ليْسَ شَرًّا محْضًا، بَل هُو شَرٌّ مِنْ وَجْهٍ، خَيْرٌ مِنْ وجْهٍ آخَر، أوْ شَرّ في محَلٍّ، خير في محل آخَر، مثَلا الفسادُ في البرِ والبحْرِ شَرّ، لكِنَّهُ خير مِن جِهَة عاقِبَتِه، لأَنَّ الله قالَ: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١].

إِذَنْ: هَذا خَيْرٌ، كَذَلِكَ أيْضا قدْ يَكُون شَرًّا في مكَانٍ لكِنَّهُ خيْر في مَكَانٍ آخَر، فإهْلَاكُ الأمَم السّابِقينَ بذُنُوبِهم شَر بالنّسْبةِ لهمْ، فقدْ أُهْلكوا ولم يَرْجِعُوا ولَم يَسْتَفِيدُوا، لكِنْ بالنّسْبَةِ لغَيْرِهم ممَّن يَعْتَبِرُ بحالهم خيْر، فيَكُونُ هَذا شرًّا في محَلِّه خيرًا في محَل آخَر.

والمُهِمُّ: أنَّ قضَاء الله نفسَه ليْسَ فِيه شَرٌّ أبدًا، بَل هُو خَيْرٌ، وَهذا قالَ: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} في جَمِيعِ الأحْوَالِ، المقْضِيُّ يَكُون فِيه الشّرُّ، ومَع ذَلِك فإنَّنا نَقُولُ أيْ مَع إثْبَاتنا أنَّ الشّرَّ في المفْعُولاتِ لَا في الفعْل، نَقُول أيْضًا إِنَّ هَذا الشّرَّ في المفْعُولاتِ ليْسَ شرًّا محْضًا لَا خَيْرَ فِيه، بَلْ قَدْ يَكُونُ شرًّا مِن وَجْهٍ وخيرًا مِنْ وَجْهٍ في نفْسِ المحَلِّ، كقوْلِه تَعالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١] وقدْ يَكُون أكثرًّا في محَلِّه خيرًا في محَل آخَر.


(١) أخرجه أبو داود: كتاب الصّلاة، باب القنوت في الوتر، رقم (١٤٢٥)، والّترمذي: كتاب الصّلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم (٤٦٤)، والنّسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النّهار، باب الدّعاء في الوتر، رقم (١٧٤٥)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصّلاة والسّنة فيها، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم (١١٧٨).

<<  <   >  >>